للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثامن: أن هذا نفي المانع والمعارض، لكن المانع إذا كان ظاهرًا مشهورًا فلا بدَّ من الاحتراز عنه، حَذَرًا من انفتاح باب الكلام وخروج الأمر إلى الانتشار والخصام. ولهذا كلّ من تمسَّك بالاستصحاب ونحوِه من الأدلة التي كثر تخلُّف مدلولاتِها عنها فلا بدَّ أن يضمّ إليه عدم المعارض.

التاسع: أن عدم الاحتراز من هذا المانع يُفضِي إلى انتقاضِ أكثرِ صُوَرِ هذا الدليل، والاستدلالِ بما لا يدلُّ أكثر من الاستدلال بما يدلّ، وذلك أكثر مشقةً على أهل الحق وأعظمُ ضررًا على المعترض على الباطل.

بيان ذلك: أن المعاني العامة لموارد الاستعمال وهي حقيقة اللفظ أضعافُ أضعافِ المعاني العامة التي هي حقيقة اللفظ بألوفٍ مؤلَّفةٍ، وذلك أنه ما من معنى عام إلّا ومعناه يعمُّ موارد استعمال كل لفظ أخص من الأخص، حتى ينتهي إلى ما لا شركةَ فيه، وفي ذلك من الدرجاتِ والتفاوت ما لا يعلمه إلا الله، فإن لفظَ «شيء» و «موجود» و «معلوم» و «مذكور» و «ذات» و «عين» و «نفس» و «حقيقة» و «ماهية» (١) يعمُّ موارد استعمال كل لفظٍ من الألفاظ، وليس حقيقة إلّا في معنى واحدٍ. فإذا كان الشيء الواحد يدلُّ على مدلولِه في صورٍ، ويَدُلُّ على غير مدلولِه في أضعافِ تلك الصور كان عدمُ دلالتِه أغلبَ على القلب من دلالته، فإن الكثرة دليل الرجحان، والأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب.

وقد احتجَّ هؤلاء الجدليون على أن عموم المعنى موارد الاستعمال يدلُّ (٢) على كون اللفظ حقيقةً بأشياءَ:


(١) الأصل: «ما فيه».
(٢) في الأصل: «يدلون».