وإن قاس [ق ٧٨] على أحدهما لا بعينه، وهو مقصوده، فإن قال (١): الحكم ثابت في نفس الأمر أو ثابتٌ على ذلك التقدير، وأيهما كان فأنا أقيس عليه.
قيل له: إنما ينفعك القياسُ على أيهما كان إذا كان القياس يفيدك على كل واحدٍ من التقديرين، أعني تحققَ الحكم في نفس الأمر وتحقُّقه على ذلك التقدير، لأنه لو كان متحققًا على ذلك التقدير ولم يكن متحققًا في نفس الأمر، أو كان متحققًا في نفس الأمر ولم يكن متحققًا على التقدير= لم ينفعْك القياس على أحدهما غير معيَّن، لأنه حينئذٍ يجوز أن يكون الحكم متحققًا، ويجوز أن يكونَ غير متحقق، والقياسُ على حكم متردّدٍ بين التحقق وعدمِه غيرُ جائز، لأن العلم بثبوت حكم الأصل المقيس عليه أول شروط صحة القياس، وإذا اشترط في القياس على أحدهما تحققُه للحكم على التقديرين، فالخصم المعترض قد منعه الحكم على التقدير، وإن كان مسلِّمًا له الحكم في نفس الأمر لم يدلّ على ثبوته على ذلك التقدير إلّا بالدليل الأول الذي قد عارضه المعترض وأخذ هو يعارض المعترض بما لا يتم إلّا بالدليل الأول، وذلك غير جائز، كما تقدم مثلُ ذلك.
وهذا اعتراض قادح ليس عنه جواب محقَّقٌ، لأن غاية ما يقول: الحكم ثابت في نفس الأمر أو على التقدير، فأقيسُ حكم الأصل عليه.
فيقال له: لا نسلِّم أنه ثابت على التقدير، وثبوته في نفس الأمر لا ينفعك