للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمالٍ فمُحالٌ إيجابُ الزكاة في غير مالٍ، وإن كان مالكًا لعقارٍ أو عبيدٍ أو خَيلٍ أو بغالٍ أو حميرٍ فهذا جنسٌ غير زكويّ، ولهذا لا يجب فيه الزكاةُ وإن كان فيه فضلٌ عن الحوائج الأصلية، لأن الزكاة إنما تجب في الأموال النامية بنفسها أو بتصريفها، والعقارُ وذوات الحافر ليست كذلك فلم يَصِحَّ تعليلُ امتناعِ الزكاة فيها بحاجة المالك، وإن كان مالكًا لمالٍ زكوِيّ وجبتِ الزكاة.

وأما المدين فهو مالكٌ لمالٍ زكَويّ، فقد انعقد سبب الوجوب في حقه. والمستدلُّ يدَّعي أن الدَّين مانعٌ من تمام السبب أو مانعٌ من حُكمِ السبب، فعليه بيانُ ذلك.

فيقول المستدلُّ: إن الله تعالى أوجب الزكاة على الأغنياء [ق ١٢] بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرتُ أن آخُذَ الصدقةَ من أغنيائكم فأرُدَّها على فقرائِكم" (١). فكلُّ من وجبت عليه الزكاة فهو غنيٌّ الغِنَى الموجب للزكاة، ومَن لا تجبُ عليه فليس بغنيٍّ الغِنى الموجِبَ لها. ومالكُ العقارِ وذوات الحافرِ وعبيدِ الخدمة وثيابِ البِذْلة ليس بغنيٍّ عن ذلك، لأنه يحتاج إلى العقار إمّا لسُكْناه أو لكرائه، ويحتاج إلى ذوات الحافرِ إما لِرُكُوبها أو لِكِرائها، وكذلك العبيد. فلو وجبت الزكاةُ في ذلك لاختَلَّت مصلحتُه، والزكاةُ لا تجبُ على وجهٍ يضُرُّ بالمالك. نعم إن ملك من أَكْرِيَتها أو نَمائِها ما تَجِبُ فيه الزكاةُ وجبت بشروطها، إمّا عند تجدُّدِ المِلكِ كقول ابن عباس، أو عندَ انقضاءِ الحَوْل كقول عامَّة العلماء. بخلاف السائمة فإنَّ لها نسلًا يَسُدُّ مَسَدَّ ما يُخْرَجُ منها. وكذلك عُروضُ التجارة، وكذلك النَقدانِ هما في الأصل خُلِقَا للتجارة،


(١) أخرجه البخاري (١٤٩٦ ومواضع أخرى) ومسلم (١٩) عن ابن عباس بلفظ: "إن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُردُّ على فقرائهم".