للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما مثل هذا إلّا مثل من قيل له: أين أذنك (١) اليسرى؟ فوضعَ يدَه اليمنى فوق رأسِه، ثم نزلَ بها إلى أذنه، وترك أن يوصلها إليها من تحت ذَقَنِه؛ ومثل مَن سلك ما بين فُرضَتَي القوس على ظهره دون وتره، ومثل مَن أراد أن يذهب من الشام إلى مكة، فذهب إلى أرمينية، ثم من أرمينية إلى الصين، ومن الصين إلى الهند، ومن الهند إلى اليمن، ومن اليمن إلى الحجاز. بل مثل مَن رَحَلَ إلى العُلا ثم رجع إلى تبوك، ثم ذهب إلى العُلا ثم رجع إلى مَعَان، ثم ذهب إلى العُلا ثم رجع إلى دمشق، ثم ذهب إلى العُلا، كلما طالَ سفرٌ رجع القهقرى حتى يرجع من حيث بدأ. أو مثل من قال: إن كان فلان وُلِدَ له مولودٌ فهو أبو ابن أبي المولود، أو فهو والدُ ولدِ والدِ المولود، أو مثل من قال: إن كان النهار موجودًا فملزومٌ من ملزوماتِ وجودِه مستلزمٌ لعدم نقيضِه، وقد تحقق الملزوم وهو عدم النقيض، فيتحقق ملزومُه وهو ملزوم وجود النهار، فيتحقق ملزوم وجود النهار، فيتحقق وجود النهار، فيتحقق ملزومه، فيفيد هذا الدليل العظيم أنه إن كان النهار موجودًا فهو موجود، يا لها فائدةً جليلة!

ثم فيه زيادةُ قبحٍ على ما تقدم من وجوه:

أحدها: قوله: «العدم في المتنازع مما يستلزم عدم كل منها»، فيقال له: العدم في المتنازع إما أن يكون مسلَّمًا لك أو أنت مستدلٌّ عليه، وأيُّهما كان فإذا ثبتَ استغنيتَ عن القدح في دليل المستدل، فإن مقصودك إنما [هو] إبطالُ ما ادعاه، فإذا أثبتَّ نقيضَ مُدَّعاه فهذا غاية الإبطال.

الثاني: أن قولك: «والدليل دلَّ على العدم» تَعني به دليلًا ذكرتَه، أو الدليل في نفس الأمر، أو دليلًا تذكره؟ فإن عنيتَ شيئًا تقدمَ فليس فيما تقدم


(١) الأصل: «ايدك»!.