للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكمة وتفاوتها، ولهذا قال العلماء: الحكمة هي علم الشريعة والفقه فيها والعمل بذلك، كما نطق به قولُه: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: ١٦٤]، {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: ٣٤]. وإذا كانت المناسبة لا تتمّ إلا بالحكمة الحاصلة من الفعل أو الحكم، فأنواع الحِكَم ومقاديرها مما لا يحيط به علمًا إلا الله تعالى. وما زال الناس يبحثون عن أسرار الشريعة، ويطلعون في كل وقتٍ على أنواع من الحِكَم. وكم من شيء يعتقد كثيرٌ من الناس أنه حكمةٌ ومصلحةٌ يجب تحصيلها، أو أنه سَفَهٌ ومفسدةٌ يجب دفعُها، وليس كذلك في نظر الشارع، لأن حقائقَ ما يَنفع الناسَ وما يَضُرُّهم في أمر المعاد بل في أمر الدنيا أيضًا لا تُعلَم إلا بالوحي المنزل من عند الله، فلهذا كان إثبات علِّية الوصفِ بالمناسبة خطرًا، وقد يَغلَط فيه كثيرٌ من الناس أو أكثرهم.

ثم اعلم أن كثيرًا من الأحكام أو أكثرها أو كلّها لا بدَّ لها من أسبابٍ تناسبُ الحكم، ومعنى السبب هنا هو ما يَنشأُ منه كون الفعل أو حُكْمِهِ محصِّلًا للمصلحة والحكمة، ولولا ذلك السبب لم يكن ذلك الفعل أو الحكم موجبًا لتلك (١) الحكمة. وإن شئتَ قلتَ: هو الوصف الذي لأجله صارت تلك المصلحة مطلوبةً من الحُكْم، مثل الزنا، فإنه إذا وُجِد أوجبَ كونَ الرجم أو وجوبَ الرجم محصّلًا لمصلحة الانزجار عن الزنا، والانزِجارُ مصلحة وحكمةٌ تحفظُ المياهَ والأنساب، وتلك حكمةٌ تتقي بها الأمة على الوجه المضبوط. وكذلك القتل العمد العدوان (٢) بشروطه سببٌ


(١) الأصل: «ذلك».
(٢) في الأصل: «والعُدوان».