للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا بدليل، فلو جاز أن يقتطع الإنسان ما شاء من تلك الصفات ويجعلها علةً ومدارًا لم يَعجِزْ عن ذلك أحدٌ، وذلك يوجب وَضْعَ الشرع بالرأي من غير دليل.

وأيضًا فإنّا نعلم اضطرارًا إذا كان هناك أمورٌ قد دارَ الحكم معها وهي صالحة لإضافته إليها، فإنه ليس دعوى أن المدار هذا بأولى من دعوى أن المدار هو الآخر، وإذا ادَّعَى مُدَّعٍ (١) أن بعضها صالح للتعليل وبعضها غير صالح فلا بدّ من التأثير لما يدَّعي صلاحه، حتى يفصل الحاكم [ق ٤٥] بين الخصمين.

وإذا تبيَّن هذا فهذا المثال الذي ذكره صاحبُ الجدل غيرُ مستقيم أن يحتج فيه بالدوران، وذلك أن العلماء اتفقوا على أن الجماع الذي أفسد به صوم رمضان متعمدًا (٢) أول مرة يُوجب الكفارة العظمى، مستندين في هذا الإجماع إلى حديث الأعرابي المشهور (٣). ثم اختلفوا في ضابط ما يوجب الكفارة:

فقال مالك: مُطْلَقُ الإفطار عمدًا مُوجبٌ، حتى بالحصاة والنَّواة، وسواء كان وردَ على صوم أو منعَ انعقادَ الصوم.

وقال أبو حنيفة: الموجب هو الإفطارُ عمدًا بمتبوع (٤) جنسه أو بأحد الثلاث كما ذكره المصنف.


(١) في الأصل: «مدعي».
(٢) الأصل: «معتمدًا».
(٣) أخرجه البخاري (١٩٣٦ ومواضع أخرى) ومسلم (١١١١) عن أبي هريرة.
(٤) في الأصل: «لمتبوع».