واعلم أن المعترض إنما ادَّعى أحدَ الأمرين، وبيَّنَ حصولَ غرضِه على كلٍّ منهما، لأن المستدلَّ إنما يمكنُه أن يُعارضه بمثل كلامِه، فيقول مثلًا: لا يتحقق أحدهما أصلًا، لتحققِ أحد الأمرين الآخرين، وهو عدمُ وقوعِ ما هو الواقع على التقدير في الواقع، أو عدمُ وقوع ما هو الواقع في الواقع على التقدير، لأنّ الدليل الدالَّ على أن التقدير غير واقعٍ يدلُّ على ذلك.
[ق ٣١] وهذا الكلام لا ينفع المستدل، لأنه (١) إذا تحقق أحد هذين الأمرين الآخرين [و] لم يتحقق أحد الأمرين الأولين جاز أن يتحقق الأمر الآخر، وهو تحصيل مقصود السائل.
وكذلك أيضًا لو قال: الوجوب على الفقير متحقق على ذلك التقدير ضرورةَ تحقُّقِ أحد الأمرين: إما عدم الواقع في الواقع على التقدير، أو عدم وقوع الواقع على التقدير في الواقع، فإنه إن لم يرد بالعدم عدم الجميع، فإن عدم وقوع البعضِ كافٍ، وذلك لا ينفعه، لجواز أن يكون غير عدمِ الوجوب على الفقير. وإن أراد به عدم جميع الواقع فمع أنه بعيدٌ لا ينفَعه أيضًا، لأنّ عدمَ الجميع ينتفي بثبوتِ بعض الأفراد، فأيُّ فردٍ من أفراد الواقع فُرِضَ وجودُه انتفَى عدمُ الواقع، ثمّ إذا ذُكِرَ فردٌ آخر لم يتكرر العدمُ ولم يتعدَّدْ.
واعلم أنّ الذي دعاهم إلى هذا التكلف أنهم إنما يُثبِتون الدعاوي بأدلةٍ متكافئةٍ من الجانبين، وليست في نفس الأمر أدلةً، فالمعترض إذا ادَّعى ثبوتَ أحدِ الأمرين فإنما يقابلُه المستدلُّ بنفي أحد الأمرين، وذلك غير مفيد، ولو قابلَه بنفي مجموع الأمرين لاحتاجَ إلى ما يدلُّ على نَفْيهما جميعًا، ولا شكَّ أن إثباتَ واحدٍ من اثنين أو ثلاثةٍ أسهلُ من نَفي الاثنين والثلاثة، فصارَ
(١) في الأصل: "لأن أحد هذين الأمرين إذا تحقق ... ".