للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو لعداوته، أو لكفره، لم يمنع تخلُّفُ الإكرامِ في هذه الصورة أن يوجَدَ في محلٍّ وُجِد فيه العلم، أو الفقر، أو الرحم [ق ١٧٦] منفكًّا عن هذه الموانع والصوارف.

والعلمُ بذلك ضروري، لكن يبقى أن يُقال: فهل العِلَّةُ في الحقيقة مجموعُ وجودِ الصفات الباعثَة، وعدمِ الصفاتِ المانعة؟ أو العلةُ ما ينشأ منه الباعث، مع قَطْع النظر عن غيره؟

هذا محلُّ الاختلاف بين مَن يُجَوِّز تخصيصَ العلة، والأمر في ذلك قريبٌ يرجعُ إلى اختلافٍ في عبارةٍ واختلافٍ في اصطلاحٍ، لا يرجعُ إلى اختلافٍ في استدلالٍ ولا حكم (١).

فمن الناس من يقول: العلةُ هي مجموع الأمور التي إذا تحقَّقَت تحقَّقَ الحكمُ، ومنهم من يقول: العلةُ هي الأمر الذي يكون وجوده مقتضيًا للحكم، بحيث يُعْقَل أن يقال: وُجِدَ هذا فوُجِدَ هذا، ولا شكَّ أن الأول يسمَّى علة، والثاني يُسَمَّى علة، والأولُ أخصُّ من الثاني، فلذلك (٢) قيل: هو اختلافٌ في التَّعْبير.

وأمَّا الاصطلاح؛ فمن قال بالأول كلَّفَ المستدلَّ أن يحترِزَ في كلامه عن جميع الصورِ التي يتخلَّف الحكمُ فيها، بحيث لو أورَد صورةً واحدةً قد تخلَّفَ الحكمُ فيها لوجودِ مانع ونحوه عُدَّ منقطعًا. وهؤلاء لا يقبلون


(١) وقد فصَّل المصنف رحمه الله في «بيان الدليل» (ص ٢٩٥ - ٢٩٧) هذه المسألة وبَسط القولَ فيها، وذكر مذاهب الفقهاء والأصوليين وأهل الجدل، بما يتطابق مع كلامه هنا.
(٢) الأصل: «فكذلك».