للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُوجب كونَ القَوَد (١) أو إيجاب القَوَدِ محصّلًا لحكمة حَقْنِ الدماء. وكذلك الزنا والسَّرقة وشرب الخمر، وكذلك أسباب الكفارات والعبادات، فإن مِلْكَ النِّصاب سببٌ أوجبَ كون إيتاء الزكاة أو وجوب إيتاء الزكاة محصِّلًا لمصلحةِ سَدِّ الفاقات وشُكرِ النعمة وسخاء النفس وإزالةِ الشُّحّ.

إذا [ق ٦٠] عرفتَ هذا فاعلم أن تعليق الأحكام بالأسباب المقتضيةِ حصولَ المصالح من الأحكام أمرٌ مضبوطٌ، فأما الحِكَمُ والمصالح فإن تعليق الأحكام بها عسيرٌ، لكونها قد تكون خفية، وقد تكون غير مضبوطة.

ثم اعلم أن النظر في المصالح (٢) أولًا، ثم تُطلَب حكمتُه وما فيه من المصلحة. الثاني: أن يعتقد أن للشيء الفلانيّ مصلحةً وحكمةً، ثم يُنظَر هل شُرِعَ حُكمٌ يحصِّل تلك المصلحة والحكمة.

فإن وجدنا حُكمًا يشهد لتلك المصلحة بالاعتبار سميناه مصلحة معتبرة في نظر الشرع، كمصلحة حفظ الأصول الستة.

وإن وجدنا حكمًا يشهد لذلك الأمر الذي اعتقدناه مصلحةً بالإلغاء والإهدار سمَّيناه مصلحةً مُهْدَرةً، وفي حقيقة الأمر لا تكون مصلحةً، بل إما أن تكون مَفسدةً خالصةً أو مفسدةً راجحةً على مصلحةٍ، إذ لو كانت مصلحةً خالصةً أو راجحةً لاعتبرها الشارع، فإنه حكيمٌ لا يُهمِل المصالح، لكن الناظر لقصور نظرِه وإدراكِه يَعتقد أنها مصلحةٌ. وهذا مثل السياسات الجَوْرِية التي أحدَثها الملوك، وحسبوا أنها تحصِّل مصلحة انتظام الأمور.


(١) «سبب يوجب كون القود» تكررت في الأصل.
(٢) لعل هنا سقطًا، مقتضى السياق أن يكون هكذا: « ... المصالح [على وجهين؛ الأول: أن يُنظر في الحكم] أولًا ... ».