أظنُّه [إلا] أراد ذلك، فإن كثيرًا من الصحابة والتابعين كانوا عجمًا فُرسًا ورُوْمًا.
واعلم أن هذه العبارات لا عربية، لأن العرب لم تتكلم بها، ولا عجمية لأنها ليست من لغة العجم، فهي كلامُ عجميٍّ يُريدُ أن يتكلم بمثلِ كلام العرب، وحقيقٌ بالعجمِ الذين يريدون الدخول في عموم قولِه:«لو كان العلمُ معلَّقًا بالثريا لتناولته رجالٌ من أبناء فارس» أن يَصُونوا ألسنتَهم عن التفوُّه بالكلام المعجرفِ الذي أقلُّ منه أفضل منه، وأخصُّ منه أنفعُ منه، فقد قيل: إنه جاء فيهم آيتانِ من كتاب الله: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ}[محمد: ٣٨]، وقوله:{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}[الجمعة: ٣]. وأن يعدلوا إلى العربية السمحة السهلة، المُسفِرة عن وجوهِ المعاني، الآخذة بأزِمَّة الحقائق، المبينة بين المشبَّهات بالفواصل المميِّزات، والجامعة بين المشتركات بالضوابط المعمَّمات، وأن يتكلَّموا بلغتهم التي نشأوا عليها. فأمّا إحداثُ لغةٍ ثالثةٍ فهو حدثٌ في الدين، وإذا ابتغى العجمُ اجتنابَ التكلف في الكلام فالعربُ أحرى بذلك وأخلقُ، لتيسُّرِ النطقِ عليهم بالعربية وبُعدِهم عن مسالك الشعوبية.
واعلم أنه وإن كان يقال: لا مُشَاحَّة في العبارات، فإن المقصود هو المعنى؛ فإن اللسان له موقعٌ من الدين، والعبارة المرضيَّة مندوبٌ إليها، كما أن التعمُّق منهيٌّ عنه. وكذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يُغيِّر كثيرًا من الأسماء أسماء الأشحاص والأمكنة وغير ذلك، وكانوا يَنهَون عن اللحن ويأمرون بإصلاح اللسان. فكيف في العبارات العلمية والمفاوضات الفقهية؟! لاسيما في