للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون التفويتُ علة الإضرار، والإضرارُ لم يوجد لوجودِ مانع مَنَع من كونه إضرارًا، والأمر كذلك، فإن التفويت إنما يوجب الإضرار إذا لم يحصل له مطلوب آخر كما تقدم.

الوجه المُوفِي عشرين: أنَّ ما ذكرتَه من الدليل إنْ دلَّ على أنَّ الإيجاب إضرار، لكن مَعَنا ما يدلُّ على أنه ينفع (١)؛ لأنَّ الإيجابَ يبعثُ النفوسَ على الأداء، فيحصل لها الثواب الذي لا يحصل بدون هذا الأداء ــ وهو أمور مطلوبة ــ من تحصين المال، وتزكية النفس، وقضاء حاجة المحاويج، ومعلومٌ أنَّ هذه أمور مطلوبة، والوجوب مُحَصِّل (٢) لها، فيكون نفعًا؛ لأنَّ النفعَ دار مع الإعانة على المطلوب وجودًا وعدمًا، وإذا كان نفعًا كان واجبَ الحصول، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من استَطاع أن ينفعَ أخاه فَلْيَفْعَل» حديث صحيح (٣)، والنبيّ يمكنه نفع المتمَوِّل بإنبائه (٤) بالوجوب، فيكون مأمورًا بهذا النفع.

وقوله (٥): (ولئن قال: المفوت فعل العبد، وهو أداء الواجب أو تركه، فنقول: هذا لا ينفكُّ عن ذلك، فيكون جهةً فيه، ولا يكون مانعًا).

حاصله: أن المفوِّت للمطلوب إنما هو فِعْل العبد أو تركه؛ لأنه إن أدَّى الواجبَ فاتت سلامة المال، وإن تركَ أداءَه فاتت سلامةُ النفس، لكن فعله


(١) الأصل: «يقع» والصواب ما أثبت بدليل ما بعده.
(٢) الأصل: «يحصل» وما أثبته هو المناسب للسياق.
(٣) أخرجه مسلم رقم (٢١٩٩) من حديث جابر - رضي الله عنه -.
(٤) غير واضحة، وهذا ما استظهرتُه.
(٥) «الفصول»: (ق/١٠ ب).