قلنا: وهذه صفة أشياء ليست حقيقة، وهي كل معنى أعمّ من حقيقة اللفظ.
والجواب عن الثاني: أن دفع الفساد لا يكون مقصودًا إلّا بعد قيام المقتضي موجودًا، ويكون معدومًا لعدم المقتضي، فدفعُ المجاز والاشتراك والتعطيل لا يكون مقصودًا إلّا إذا قام المقتضي له، والمقتضي له انعقادُ السبب الموجب للمجاز أو الاشتراك أو التعطيل، ولا يسلّم وجود السبب.
وأيضًا فإن هذا المحذور قد تعيَّن لدفعِه طريقٌ واحد، وهو حمل اللفظ على حقيقته، لأن حَمْلَه على بعض الحقيقة محذور، فلِمَ قلتَ: إن هذا الطريق هو طريق دفعه، بخلاف ما إذا ذكر النظائر، فإن الغرض يحصل بكل طريق، وهنا لا يحصل إلا بطريقٍ [ق ١٣٩] واحدٍ.
وأيضًا فإن جَعْله حقيقةً في المعنى العام المدَّعَى كما أنّ فيه دفعَ هذه المفاسد، ففيه أيضًا المفاسدُ التي قدَّمناها أو احتمالُ تلك المفاسد، وليس في ترك جَعْلِه حقيقةً إلّا السكوت، ومَن خُيِّر بين ركوبِ طريقٍ فيها دفعُ مفسدةٍ واحتمالُ مفسدة وبين تركِها كان التركُ أولى به. ولهذا سُئِل ابن عباس عن رجلين أحدهما كثير الطاعة والذنوب، والآخر قليل الطاعة والذنوب، فقال: لا أَعدِلُ بالسلامة شيئًا (١).
وعن الثالث: أن الأصل النافي إنما يحتج به في موضعٍ لم يكثر الوجود بخلافه، أو موضعٍ لم يُعلم أن هناك وجودًا يخالف الاستصحاب. وقد بيّنا