للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ق ٥٢] الثالث: أن تخلُّف العلّيةِ مع وجود الدوران كثيرٌ لا يُحصَى، لاسيما عند من يكتفي بالدوران وجودًا أو عدمًا في صورةٍ بعد صورة، فإن العلم الضروري حاصلٌ بأن ما تتخلَّف عنه العلّيةُ من هذا الجنس أكثر مما تقترن به. وقد ذكر المصنّف ما يقترن بالآثار الحادثة في الأمكنة والأزمنة من الحركات الاختيارية والطبيعية والقَسْرِيّة، مع أن شيئًا منها لا يفيد العلّية، وكذلك دوران العلة مع المعلول، والمتضايفان كلٌّ منهما مع الآخر. وحينئذٍ فإما أن يقول: الدوران يُفيد العلّية، لكن تَخلَّفَ في الصور الكثيرة لمانعٍ. أو يقول: لا يفيد، وإنما حصلَ العلمُ بالعلّية في بعض الصور لأمرٍ آخر غيرِ الدوران، لكن الثاني أولى (١)، لأن الأول أعظم منافاةً للأصل، فيكون مرجوحًا.

واعلم [أنّ] للناس عن هذه المواضع عدة أجوبة:

أحدها: أن الدوران يفيد العلّية ما لم يُزاحِمه مدارٌ آخر. وهذا الجواب مطّردٌ، وهو لا ينقض القاعدة، لأنه إذا تزاحمَ مدارانِ لم يمكن ترجيح أحدهما إلّا بأمرٍ خارجٍ عن الدوران.

والثاني: أن يقال: الدوران يفيد العلّية إلّا أن يَدُلَّ دليلٌ على عدمِ علّيته، فمجموعُ الأمرين ــ الدوران وعدم العلم بالمانع ــ يفيد العلّية.

الثالث: أن يُقال: الدوران يُفيد علّية المدار حيث لا يتعين للعلّية [أمرٌ آخر] (٢)، وهذا من نمط الذي قبله.


(١) الأصل: «أول».
(٢) زيادة ليستقيم المعنى.