للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانوا يتناظرون في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، بالأدلة المرضيَّة والحُجَج القويَّة، حتى كان قلَّ مجلسٌ يجتمعون فيه (١) إلا ظهر الصواب، ورجع راجعون إليه؛ لاستدلال المستدلِّ بالصّحيح من الدلائل، وعِلْمِ المنازعِ (٢) أنَّ الرجوعَ إلى الحقِّ خيرٌ من التمادي في الباطل. كمجادلة الصّدّيق لمن نازعه في قتال مانعي الزَّكاة حتى رجعوا إليه، ومناظرتِهم في جَمْع المُصحف حتى اجتمعوا عليه، وتناظُرِهم (٣) في حدِّ الشّارب وجاحد التحريم، حتى هُدوا إلى الصراط المستقيم. وهذا وأمثاله يجلُّ عن العدِّ والإحصاء، فإنَّه أكثرُ من نجوم السّماء.

ثم صار المتأخِّرون بعد ذلك قد يتناظرون في (٤) أنواع التأويل والقياس بما يُؤثِّر في ظنِّ بعض الناس، وإن كان عند (٥) التحقيق يؤول إلى الإفلاس، لكنَّهم لم يكونوا يقبلون من المناظر إلا ما يفيد ولو ظنًّا ضعيفًا للنَّاظر، واصطلحوا على شريعةٍ من الجدل، للتعاون على إظهار صواب القول (٦) والعمل، ضبطوا بها قوانينَ الاستدلال، لتسلم عن الانتشار والانحلال. فطرائقهم وإن كانت بالنسبة إلى طرائق (٧) الأوَّلين غيرَ وافيةٍ بمقصود الدّين، لكنَّها غيرُ خارجةٍ عنها بالكليَّة ولا مشتملة على مالا يُؤثِّر في القضيَّة، وربَّما


(١) بقية النسخ: "عليه".
(٢) ضبطها في الأصل و (ف): "وعَلِمَ المنازعُ".
(٣) (ب، ق): "ومناظرتهم".
(٤) الأصل و (ب، ق): "من".
(٥) في بعض النسخ: "هذا".
(٦) (ف): "التأول".
(٧) (ق): "أدلة".