للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على علته، وما كان أولى بالحكم من الفرع. وعلى هذا التفسير فلا يختلف الفقهاء الذين يَخُصُّون العمومَ بخبر الواحد أنهم يخصُّونه بمثل هذا القياس، فإن أكثرهم عندهم هذا من باب دلالات اللفظ دون القياس. وقيل: إن الجلي هو قياسُ المعنى، وهو القياس المناسب ونحوه، دون قياس الشبه، وعلى هذا التفسير فيُجعَل هذا التفريق قولًا رابعًا.

واعلم أن من نظر في مآخذِ الأحكام ودلالات الأدلة عليها: الظواهرِ والأقيسةِ من كلام الشارع تارةً، ومن المعاني المعقولة أخرى، عَلِمَ يقينًا أنه في بعض المواضع يُقطَع برجحانِ العموم، وفي بعضها يقطعُ برجحان القياس، فإن العمومَ أعلاه ما احتفَّ من القرائن ما دلَّ على أن مقصودَ الشارع به العموم، واتّحدتْ أفرادُه، وانضمَّ إليه عمومٌ عقلي. ثم ما تخلَّفَ عنه بعض هذه الأفراد، مثل أن يكون مجرَّدًا عن القرائن المقوية. ثم ما اقترنَ به قرائنُ تُوهن عمومَه وإن لم تَمنع الاحتجاجَ به، كالعموم الخارج على سبب. ثم العموم الذي لم يُقصَدْ به قصد العموم وإنما سِيْقَ الكلامُ لشيء آخر، إن جعل حجةً عند السلامة عن المعارض، كقوله: «فيما سَقَتِ السَّماءُ العُشرُ، وما سُقِي بالدَّوالي والنَّواضِح نصفُ العُشر» (١)، حيث قصد به بيان قدر المُخْرَج لا بيان أنواع ما تجب فيه الزكاة.

وكذلك القياس على مراتبَ: أعلاه قياسٌ عُلِمَت علتُه بنص أو إيماءِ نص أو إجماع، والقياس في معنى الأصل، وهو قياس لا فارق وقياس


(١) أخرجه البخاري رقم (١٤٨٣)، وأصحاب السنن: أبو داود (١٥٩٦)، والترمذي (٦٣٥)، والنسائي: (٥/ ٤١)، وابن ماجه (١٨١٧) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.