للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحجَّة الأوَّلين: أن شرط القياس ثبوت العلة في الأصل، وثبوت كونها علة، ولهذا يتوجَّه المنع على وجودها في الأصل، وعلى عِلِّيتها، فإذا لم يكن الأصلُ معلومًا امتنعَ العلمُ بحصول العِلَّة فيه؛ لأن العلمَ بالصِّفَة فرعُ العلمِ بالموصوف، وإذا لم يعلم بحصول العلة فيه لم يصح القياس؛ لانتفاء شرِطه، وامتنع أيضًا العلم بعلِّية الوصف المدَّعَى كونه علةً، لأن عِلِّيته لا تثبتُ إلا في محلٍّ، فإذا لم يُعْلَم محلُّها (١) لم يُعْلَم ثبوتها، وذلك لأن عِلِّيَّته لو ثبتت بدون أصلٍ تقوم به لكانت مناسبةً مطلقةً ومصلحةً مرسلةً، وذلك ليس من القياس الذي يُقاس فيه فرع على (٢) أصل، فإنه حينئذٍ ليس هناك مقيس عليه، لا معلومًا ولا مجهولًا.

وهذا القولُ هو الصواب، وعليه أهلُ الفقه والأصول، لكن لا يجبُ العلم بصفاتِ الأصل التي لا تأثير لها في الحكم، وهذا هو فَصْل الخطاب في المسألة، فإن الأصل على ثلاثة أقسام:

أحدها: أن لا يُعلَم شيءٌ من صفاته، فهذا يستحيل القياس عليه قطعًا.

الثاني: أن يُعلَم بِعَينه، فهذا يصح القياس عليه قطعًا.

الثالث: أن يُعلَم بعضُ صفاتِه دون بعض، مثل أن تُعلَم صفاتُه العامة دون الخاصة، أو يُعلَم نوعُه ولا يُعلَم شخصُه، أو جِنْسُه ولا يُعلَم نوعُه، فهذا قسمان:

أحدهما: أن يُعلم أن المجهول من صفاته لا تأثير له في الحكم، مثل أن


(١) الأصل: «محلًّا لها» ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) الأصل: «على فرع» ولعل الصواب ما أثبت.