إلى أنه إنما يفيد الندب، ومنهم من قال: إنما يفيد القَدْرَ المشترك، وهو مُطْلق الاستدعاء من غير تعرُّضٍ لتجويز الترك، أو المنع من الترك، وهذا أقرب من الذي قبله، ومنهم من يزعم أنه مشترك بينهما، ومنهم من توقَّف في الجميع.
والخلافُ هنا أقربُ من الخلافِ في الذي قبله. وقد استدلَّ عليه المصنِّف ببعضِ الأدلة المشهورة:
وجه الدليل: أن الله أمر الملائكة وإبليسَ معهم بالسجود لآدم، ثم لما امتنعَ إبليسً من السجود ذمَّه الله وعاقبَه على ترك الامتثال، ولو لم يُفِد الأمرُ الإيجابَ لما استحقَّ الذَّمَّ والعقابَ على الترك، لأنَّا لا نعني بالإيجاب إلا كون التَّرْك سببًا للذَّمِّ والعقاب، وكون إبليس مأمورًا مع الملائكة لا خلاف فيه بعد قوله:{إِذْ أَمَرْتُكَ}، سواء قيل: هو من الملائكة حقيقة أو تبعًا.
ودعوى أن الأمرَ كانت معه قرينة تُفيد الوجوب، يُجاب عنه: بأن الأمرَ المحكيَّ في القرآن مطلق، وهو قوله:{فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[الحجر: ٢٩]، {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}[البقرة: ٣٤]، والأصلُ عدم القرائن الحالية، ولو كانت لذُكِرت لبيان المقتضي للعن الشيطان (١).
ثم قوله:{إِذْ أَمَرْتُكَ} كالنص في ترتُّب الذَّمِّ على مخالفة مجرَّدِ الأمر. ودعوى أن إبليس إنما استحقَّ ذلك لتركه تكبُّرًا لا لمجرَّد الترك لا [ق ٢٧٠] تستقيم؛ لأن التركَ [جزءٌ] من سبب الذمِّ والعقاب؛ إذ لو لم يكن
(١) غير واضحة، واستظهرت منها ما أثبتُّ، وتحتمل غير ذلك.