للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النوع الثاني: استصحاب الحال في أجناس الأحكام، وهو إيجاده دليلًا من أدلة الشرع التي يثبت بها التحليل أو التحريم، أو نفي الوجوب أو نفي التحريم، بحيث يمكن أن يقومَ دليلٌ شرعيٌّ على بقاء الحال الأول، أو على زوالها. وهذا النوع أقسام؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون استصحابًا لمدلولِ دليلٍ شرعيٍّ، أو استصحابًا لمدلول (١) دليلٍ عقليّ، والدليلُ الشرعيُّ إما النصُّ أو الإجماع.

الأول: استصحاب حكم الخطاب حتى يَرِد ما يغيره، مثل استصحاب حكم الأمر حتى يَرِد ما يدلُّ على أنه على الاستحباب (٢)، واستصحاب حُكم العمومِ حتى يَرِد المخصِّص، واستصحاب الحُكم حتى يَرِد ما ينسخه، فهذا معمولٌ به عند جميع الفقهاء، وعامَّتُهُم لا يُدْخِلونَه في باب الاستصحاب، وإنما أدخله بعضُهم، وفي إدخاله نظر.

القسم الثاني: استصحاب حال الشرائع الماضية، فإنَّ عامَّة الفقهاء على أنَّ شرْع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يَرِد في شرعنا ما ينسخُه. ثم اختلف هؤلاء؛ فقيل: هو من باب استصحاب الحال، لأنَّا نَسْتَصْحِب حُكْم تلك الشرائع إلى أن يَرِد في شَرْعِنا ما يُغَيِّره، كما يُسْتَصْحَب حُكْم شرعنا حتى يَرِدَ الناسخُ.

وقيل: ليس من باب الاستصحاب؛ لأن تلك الأحكام إنما لزمنا اتباعها بشرع الله إياها لنا، وأمرنا باتباعها، فلم يكن مجرَّد شرعها في تلك الشرائع كافيًا في تَمَسُّكنا بها إلا بأمرٍ من الله لنا، وليس هذا باستصحابِ حالها، بل


(١) الأصل: "استصحاب المدلول"!
(٢) الأصل: "الاستصحاب" والصواب ما أثبت.