للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأن ما ذكرتَه من المناسبة يثبت فيها استواؤهما في المصلحة المقتضية للوجوب، لأن الجامع في الأصل والفرع هو المقتضي للحكم، فإذا تميَّزَ قدرًا أو نوعًا كان القائسُ به محيطًا بمأخذ الحكم، بخلاف الجامع المبهم الذي لم يتميَّز عن غيره، فإنّ صاحبه لم يُحِط علمًا بمأخذ الحكم ومناطِه.

ولأنك جمعتَ بالمعنى الأعم، وإنما جمعتُ بالمعنى الأخصَّ. وإذا كانت إحدى (١) العلّتين أشدَّ تقريبًا بين الأصل والفرع كانت أولى من التي لا يَشتدُّ تقريبُها، ولا شكَّ أن المعنى الأخصّ يُقرِّب الفرعَ من الأصل أكثر. وإذا كان مدار القياس على التشبيه والتمثيل، فحيثُ ما كان القدرُ المشترك أخصَّ كانت المشابهة والمماثلةُ أتمَّ، فتكون حقيقةُ القياس أقوى، فتكون أولى.

ولأنّ ما ذكرتَه يَقتضي مصلحةً في الوجوب، وما ذكرتُه يَقتضي مفسدة، واحترازُ الحكيم عن المفسدة أشدُّ من طلبِهِ المصلحةَ. ولهذا قال ابن عباس: لا أَعدِلُ بالسلامة شيئًا (٢). فإن النجاة رأس المال. وذلك أنه إذا لم يحصل الإيجاب بقي الأمرُ كما كان، أمّا إيجابٌ يتضمن مفسدةً ففيه تغييرٌ للأمر بالإفساد، والاحتراز عنه متعينٌ بما أمكن.

واعلم أن هذه المناسبات المطلقة من غير بحثٍ عن خصوص [ق ٦٩] فقه المسائل لا تُحِقُّ حقًّا ولا تُبطِلُ باطلًا، بل يمكن ردُّها كلها بما ذكرناه وبغيره من الطرق، وهي من جنس إثبات التلازمات العامَّة والدورانات العامة، فإن الجمع بين الأصل والفرع بالقدر المشترك بينهما كائنًا ما كان من


(١) الأصل: «أحد».
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (٧/ ١٣٥) والنسائي في «الكبرى» (١١٨٣٩).