للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مطلوبُ المعترض أسهلَ. فإذا كان جنس الدليلين واحدًا [و] وجود ما يريدُه المعترض أسهل كان الرجحانُ معه، لأن الظنَّ بحصولِ مرادِه أقوى من الظنّ بحصولِ مرادِ المستدلّ.

ولعَمْري إن هذا ترجيحُ من يستدلُّ بغير دليل، فإنه يرجّح بالأشياء البعيدة عن المقصود. وكثيرًا ما يَسلُك هؤلاء المموِّهون هذا المسلكَ يَدَّعونَ عدة أشياءَ كلٌ منها يُحصِّل المقصود، ويكون الدليل على وجودِها كلِّها ووجود بعضها واحدًا، حتى يحتاج القادح أن يَنفِيَ كلَّ واحدٍ من تلك الأشياء، إذ نَفيُ بعضِها غيرُ كافٍ، فإذا نفاها جميعًا كان مدَّعيًا عدةَ دعاوٍ، ويحتاج فيها إلى عدة أدلَّة. بخلاف المثبت، فإنه إنما ادَّعَى واحدًا من جملة عددٍ.

والتحقيق في هذا أنه إذا كان إنما يَثبُتُ أحدُ تلك الأشياء بما يَثبُتُ به الآخر كانَ في الحقيقة مستندًا إلى دليلٍ واحدٍ، وحينئذٍ فللقادح أن ينفيها كلَّها بدليلٍ واحدٍ أيضًا، إذ لا فرقَ في الدليل بين أن ينفي أشياء أو يثبت واحدًا من أشياء، ولا عبرةَ بكثرةِ الدعاوي وتعدُّدِها، وإنما العبرةُ بقوة الأدلة وتعدُّدِها. فمن ادَّعى بأنه حكم [لعدَّة أشياء] بدليلٍ واحدٍ كان بمنزلة من ادعَى حكمًا واحدًا بدليلٍ واحدٍ.

وأيضًا فإنهم يُعدِّدون الدعاوى، وربّما كانت متحدةً في المعنى، وبتقدير تغايرها فإنها تكون متلازمة، بحيث يلزم من صحة بعضها صحةُ جميعها، ومن فسادِ بعضها فسادُ جميعها، أو يكون بعضُها لازمًا للبعض، من [ق ٣٢] غير عكس مثلِ هذه الصورة التي يتكلم فيها، وحينئذٍ فدعوى أحدهما بمنزلة دعواهما جميعًا، ونفيُهما جميعًا بمنزلة نَفي أحدِهما، فإنّ