للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومَنْعُ المستدلِّ هنا ظاهر؛ لأن الوجوبَ عنده غير ثابت، فإن أنشأ المعترضُ الوجوبَ هنا بدليلٍ لم يَحْسُن لوجهين:

أحدهما: أن ذلك الدليل لا ينشأ من هذا التقدير، والأدلَّةُ العامةُ قد تقدَّم الكلامُ على تهافتها وتهاترها (١).

والثاني: أن إثبات الوجوب هنا إثبات الحكم المتنازع فيه، فإذا أبطل به مقدمة المستدل، وهو قوله: «الوجوبُ هنا والعدم هناك لا يجتمعان» = قد قال: الوجوب والعدم يجتمعان؛ لثبوت الوجوب المتنازع فيه بكَيْتَ وكَيْت، وهذا غَصْب لمنصبِ الاستدلال، فلا يُسْمَع. هذا تقرير كلام هؤلاء.

والتحقيقُ أنَّ مثل هذا الكلام لا يُقْبل من المستدلِّ أيضًا لوجوه:

أحدها: قوله: «وإن لم يكن المشترك موجبًا لم تجب الزكاة هنا بالنافي السالم عن معارضة القطعي» (٢).

قلنا: إما أن تكون سلامة النافي عن المعارض القطعي كافيةً في العمل بموجبه، أو غير كافيةٍ، فإن كانت السلامة عن المعارض القطعي كافيةً في العمل بموجبه، وجبَ العملُ بكلِّ نافٍ لم يعارِضْه قطعي. وحينئذٍ فلا يجوز إثبات الوجوب بدليل ظَنِّي؛ لأن نافي الوجوب حينئذٍ يكون سالمًا عن المعارض القطعي، وهذا خلاف إجماع الأمة، بل خلاف إجماع العقلاء، فإنَّ الأصل النافي أضعف الأدلة، فأدنى دليل موجب (٣) يُبْطِل العملَ به،


(١) أي بطلانها.
(٢) المصنِّف ينقل كلام صاحب «الفصول» بالمعنى، وانظر نصَّه فيما سبق (ص ٤١٤).
(٣) تحتمل: «يوجب».