للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو تمسُّكٌ بشرعنا (١)، وهذا القول أصح.

القسم الثالث: استصحابُ حال الإجماع.

مثاله: أن يُقال في المتيمم إذا رأى الماء في أثناء الصلاة: أجْمَعْنا على صِحَّة صلاتِه قبل رؤية الماء، والأصلُ بقاءُ ما كان على ما كان.

فهذا مما اختلفَ فيه الفقهاءُ قديمًا وحديثًا، فذهب خلائقُ منهم إلى أنه لا يُحتجُّ به؛ لأن الصورة التي أجمعوا عليها قد زالت، والتمسُّك باستصحاب حالِ دليلٍ مع عِلمِنا بزواله غيرُ جائز، كمن يستصحِبُ حالَ النهار بعد [ق ٣١٥] غروب الشمس.

ومقتضى قول هؤلاء: أنه لو دلَّ دليلٌ غير الإجماع من نصٍّ أو فعلٍ على حكمٍ في صورة لم يجب استصحاب حالِ ذلك الحكم بعد تغيُّر الصورة التي تناولها النص؛ لأنهم يمنعون من الاستصحابِ في كلِّ موضع عُلِمَ أن دليلَ الحال الأولى يختصُّ بها، ولا يشمل الحال في الزمن الثاني.

وذهبَ طوائف منهم إلى قبوله، ولعلَّ هذا هو الغالب على الأوَّلين من الأئمة، وإن كان القولُ الأوَّل محكيًّا عن جماهير الفقهاء، وذلك أنَّ الحكم إذا ثبتَ في محلٍّ فالأصلُ بقاؤه على ما كان عليه، سواءٌ فُرِض تناول الدليلِ له أو عدم تناوله؛ لأن بقاءه لا يستدعي إلا مجرَّد البقاء، أما زواله فيستدعي زوالَ الحال الأولى، وحدوث الحال التي تضادّها، وبقاء الحال الثانية، وما يتوقَّف على ثلاث مقدِّمات يكون مرجوحًا بالنسبة إلى ما يتوقَّف على مقدّمة واحدة، ولأن ظنَّ التغيُّر سيُعارَض بظنِّ التقرُّر، فيبقى ما يقتضي


(١) تحتمل: "بشرعتنا".