علَّته مُنْتقضة بإقراره كما تقدَّم، فجوابه حنيئذٍ أن يقال: هو ثابتٌ عندك، وليس بثابتٍ في نفسِ الأمر، [و] على التقدِيْرَين لا يصح استدلالك.
الرابع: أن قولَه: «وإن لم يكن ثابتًا فالحكمُ متحقِّق في الفرع»، لو سلم صحة اللزوم، لكن ذلك لا يمنع تَوَجُّه النقض، فإنَّ غايةَ ذلك أن يكون الوجوبُ ثابتًا في الفرع، مع أنَّ القياسَ المذكور فاسدٌ لانتقاضه، والكلامُ إنما كان في إبطال الدليل الذي استدلَّ به على الحكم، لا في إبطال نفسِ الحكم، فمتى بطَل الدليلُ انقطعَ المستدلُّ وإن كان الحكمُ ثابتًا.
وأيضًا فإن صحَّة الحكم لا يستلزم صحةَ الدليل المعيَّن، بل صحة الدليل يستلزم صحة الحكم؛ لأن الدليلَ يجب طَرْدُه ولا يجب عكسُه، فوجوده ملزومٌ للحكم؛ فإذا وُجِدَ وُجِدَ الحكمُ، وإذا عُدِمَ الحكمُ عُدِم، أما مجرَّد وجود الحكم فلا يدلُّ على وجود الدليل المعيَّن أصلًا.
فإن قال: أحدُ الأمرين لازم: إما سلامة القياس على النقض، أو الحكم في الفرع، وعلى التقديرين فقد لزِمَ المدَّعَى.
قيل له: لا يلزم المدَّعَى على واحد من التقديرين؛ أما على الأولى فلأنَّ سلامَتَه من النقض كانت على وجهٍ تعتقدُ أنتَ أنه منتقض، فلا ينفع سلامته في نفس الأمر عن بعض النقوض، مع إقرارك أنه باطل ومع إقراري أيضًا؛ لأن الخصم لو قال: هذا دليلٌ في نفس الأمر وأنا لا أَعْتَقده دليلًا لم يجب قبولُ قولِه؛ لأن أحدَ قوليه ينقضُ الآخر؛ لأن كونه دليلًا يوجبُ الاتِّباع، فإن تَرَكَ اتباعَ الدليل إلا (١) لمعارض كان فاسقًا، فلا يُقْبَل قولُه:«هو ثابت في نفس الأمر».