قيل له: فلو كان العدمُ غير ثابتٍ في نفسِ الأمر لزمَ فساد مذهبك في نفس الأمر، وأيُّ غرضٍ لك في أن تُصَحِّحَ مذهبًا بفسادِ آخر؟! وإذا كان مذهبُك هذا لا يتم إلا بفساد الآخر في نفس الأمر، لم يتم استدلالك؛ لأنك مطالَبٌ بتصحيح هذا الدليل مع سلامةِ بقيَّةِ المذهب. ولو زعمتَ أنَّ هذا الدليلَ لا يتم إلا بفساد ذلك المذهب، لكنتَ قد عَجَزْتَ عن نصرةِ المذهب وانقطعتَ، وقولُكَ غير مقبولٍ على صاحب المذهب؛ لأنه قد لا يلتزم هذه الطريقة التي سلكتها.
الثالث: أن قولَه: «إما أن يكون ثابتًا أو لا يكون ثابتًا»، إن أرادَ به في نفس الأمر؛ فالمختار هو الثبوت، لكن لا يلزم من ذلك عدمُ النقضِ، لأن علته (١) تنتقض بما يعتقدُه. وإن لم يكن مطابقًا لنفس الأمر، وذلك إذا قال: مذهبي ينقضُ دليلي هذا، أو دليلي هذا ينقض مذهبي، كان إقرارًا منه بعدم اتِّباعه لهذا الدليل، ومن أقرَّ بأن بيِّنَته غير صادقة لم يلزم خصمَه ما شهدت به، وكأنَّه هو يعتقدُ بطلان هذا القياس، لعدم قوله بموجبه في صورة النقض، والمعترضُ يعتقد بطلانَه، لعدم قولِه به في الفرع، والوجوبُ عنده في صورة النقض لمقتضٍ آخر غير هذا المشترك، وإذا حصل الإجماعُ من الفريقين على انتقاضِ هذا القياس كان فاسدًا وإن لم يتفقا على عين صورةِ النقض، فإذا سَلَّم المعترِضُ أنَّ العدمَ غير متحقِّق في نفسِ الأمر لم يلزم من ذلك سلامتُه عن النقض، مع اعترافِ المستدلِّ [ق ٢٠٧] بانتقاضِه واعترافِ المعترضِ بانتقاضِه في موضعٍ آخر.
وإن أراد به الثبوت عنده فالواقع هو عدمُ الثبوت عنده، وحنيئذٍ تكونُ