للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالحُكْمِ أو بالفعل الذي هو محلّ الحكم: حكمةً، ويُسمَّى نفس ذلك الفعل حكمةً، كما يقال: الصَّمتُ حكمٌ وقليلٌ فاعلُه (١)، ويقال: إيجاب القصاص حكمةٌ عظيمة. ويُسمَّى العلمُ بما في ذلك الفعل أو الحُكْمِ من المصلحة والتكلمُ بذلك حكمة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن من الشعر لحِكمةً» (٢)، وقال: «الحكمةُ ضالةُ المؤمن» (٣). فالحكيم هو الذي يعلم الصواب ويتبعه، فإن عَلِمَه ولم يتبعه أو عَلِمَه ولم يعلم حقيقته فقد أُوتِيَ شَطْرَ الحكمة.

وقد غَلَب في اصطلاح أهل الجدل من الفقهاء إطلاقُ الحكمة في الأحكام الشرعية على المعنى الأول [ق ٥٩] من المعاني الثلاثة، وهو ما في الفعل أو الحكم من تحصيل مصلحةٍ ودفعِ مفسدةٍ. والمصالح والمفاسد بعد البحث التام تعود إلى ما ينفع (٤) الناسَ في الدنيا والآخرة وما يَضرُّهم، والمنفعة تؤولُ إلى اللذة التامة التي لا ألمَ فيها في ذاتِ الحيوان، مع أن أنواع تلك اللذات ومقاديرها مما لم يَخْطُر على قلب بشر، لكن كلَّما كان أقربَ إلى حصول ذلك المطلوب كان أبلغ.

وباعتبار انقسام المنافع والمضارّ إلى دنيوية وأخروية انقسم الحكماءُ إلى حكماءِ دنيا وحكماءِ آخرة، والأحكام الشرعية مشتملة على زيادة


(١) انظر: «الأمثال» لأبي عبيد (ص ٤٤)، و «البيان والتبيين» (١/ ٢٧٠) و «جمهرة الأمثال» (١/ ٥٦٩) وكتب الأمثال الأخرى.
(٢) أخرجه البخاري (٦١٤٥) عن أُبي بن كعب.
(٣) أخرجه الترمذي (٢٦٨٧) عن أبي هريرة، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم بن الفضل المخزومي ضعيف في الحديث.
(٤) في الأصل: «ما ينتفع» والمثبت يناسب السياق.