للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا: فكل ما دلَّ على وجوب الطاعة أو تحريم المعصية؛ فهو دليل على وجوب الانتهاء وتحريم (١) المخالفة في النهي، والأدلة على هذا مستوفاة في غير هذا الموضع؛ لكن قد احتجَّ المصنِّف بثلاثة وجوه:

أحدُها: قوله: «وإلا لما صحَّ إطلاق اسم المعصية على ارتكاب المنهي عنه، وقد صحَّ بالنقلِ والاستعمال».

وتقريرُ ذلك: أنه لو لم يكن الفعل محرَّمًا لما كان مرتكبُه عاصيًا؛ لأن العاصي يستحقُ الذَّمَّ والعقابَ كما تقدَّم، فلو لم يكن الفعل محرَّمًا لكان مباحًا، لأنه ليس بين الحلال والحرام واسطة، ومن فَعَل المباحَ لا يكون مذمومًا ولا معاقَبًا، لكن مرتكب المنهيِّ عنه عاصٍ بقوله سبحانه: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١] لما ارتكب المنهيَّ عنه، بدليل قولِه: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف: ٢٢] والأصل عدمُ ما سِوَى النهي المجرَّد؛ ولأن أهل اللغةِ يسمُّون من ارتكبَ المنهيَّ عنه: عاصيًّا؛ ولأن الاستعمال شائع بذلك.

الوجه الثاني: قوله (٢): (على أن المنهيَّ عنه مشتمل على المفسدة الراجحة، وإلَّا لَقَبُحَ النهيُ عن (٣) الفعل المباح، وليس كذلك).

حاصلُ هذا الوجه: أنَّ المنهيَّ عنه لا بدَّ أن يشتملَ فعلُه على مفسدةٍ، وهي جَلْب مضرَّة، أو دفع منفعة، ولابدَّ أن تكون المفسدة التي فيه خالصة أو


(١) الأصل: «وتحريمه».
(٢) «الفصول»: (ق/١٠ ب).
(٣) كذا في «الفصول» وكان فيه: «وإلا لقبح النفي والنهي عن» ثم ضرب على «النفي و»، وفي الأصل: «وإلا لقبح النهي أو النهي عن».