للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوجز تارة ويُسْهِب أخرى، فإنهما طريقان من طرق الكلام، كما قيل:

ويُسْهب لكنه لا يُمِلّ ... ويوجز لكنه لا يُخِلّ (١)

قلتُ: هم قد سلَّموا لنا أن ما لا يتوقف الاستدلالُ عليه لا يجوزُ إدْخاله في الدليل، وما ذكرناه كذلك.

ثم نقول: الإسهابُ والإطنابُ حَسَنٌ بليغ إذا أفاد الإيضاح والبيان حتى يصيرَ الخبرُ كالعيان، ولهذا قال الخليلُ بن أحمد: الكلامُ يوجَزُ لِيُحْفَظ، ويُبْسَط لِيُفْهَم (٢). وإذا كانت معانيه تكُثُر بكثرة ألفاظه. أما إذا كان بالإطالة يزداد خفاءً وبُعدًا، وما يُزادُ فيه لا حاجةَ إليه أَلبته= لم يجز استعماله باتفاق أهل البيان وأهل النَّظر، فإنه مذموم شرعًا، قبيح عقلًا وطبعًا.

الوجه الثاني (٣): أن قوله بالنافي السالم إما أن يعني به براءة الذمم من الوجوب المعلومة بالعقل المُسْتَصْحَبة إلى أن يَرِدَ الناقل، أو يعني به أدلَّةً معينةً تنفي الوجوب، أو يعني القَدْر المشترك، أو يعني شيئًا رابعًا.

فإن عَنَى الأول كان مستدلًّا على نفي وجوب الزكاة عن رجلٍ قد ملك


(١) البيت لأبي الفتح علي بن محمد البستي الكاتب، نسبه له الثعالبي في «يتيمة الدهر»: (٤/ ٣٥٥) ضمن ثلاثة أبيات قالها في أبي نصر بن أبي زيد وهي:
له قلمٌ غَرْبُه لا يكلّ ... إذا كان حدُّ حسام يكلّ
فيوجز لكنه لا يُخلّ ... ويُطنب لكنه لا يُملّ
وكيف يُمِل وتوفيقُ من ... أفاد العلومَ عليه يُمِلّ
(٢) أخرجه الدينوري في «المجالسة»: (٢/ ٣٣٧ - ٣٣٨)، وعلَّقه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص ٩١)، وهو في «التذكرة الحمدونية»: (٩/ ٢٤٤).
(٣) تقدم الوجه الأول (ص ٤١٨).