للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: «لو وُجِد يُوجَدُ ذلك المطلوب، ولولاه لا يوجد» مع ما فيه من رِكَّةِ التركيب ليس بجيّد، لأنه لا يلزم من وجود الوجوب وجودُ المصلحةِ المتعلقة من تطهُّرِ المزكِّي إلا إذا فعلَ المكلَّفُ الواجبَ، والمكلَّفُ قد يعصي ويترك الواجب كثيرًا، فكيف يكون مجرَّدُ الإيجاب موجبًا لحصولِ المطلوب؟ فإن المصلحة المتعلقة بالوجوب من تطهير المزكِّي وتمييز المال وتكفير السيئات ومواساة المحتاج وشكر النعمة وغير ذلك من الأمور يَحصُل كثيرًا بدون الوجوب، إمّا بفعلِ الناس على وجه الندب أو بأسبابٍ أُخَر، أو بفِعلِ الله. وإنما الصواب أن يقال: لأن الوجوبَ مُغلِّبٌ لوجودِ تلك المصالح، وعدمُ الوجوب مُقلِّلٌ لها، لأنه إذا وجبَ انبعثَ الداعي إلى الفعل خوفَ العقاب على الترك، فيكثُر الوجود، وإذا لم يجب فَترتِ الهِممُ عن العمل، إلّا نفوسًا تطلبُ الفضائل، وهي قليلةٌ، فيكون حصولُ المطلوب بتقدير الوجوب أكثر، وذلك يوجِبُ اعتقادَ المناسبة. فإن الحكيم كما يسلك طريقًا لا يحصل مطلوبه إلا بها، فيسلك الطريق التي هي أقرب إلى حصولِ مطلوبه.

هذا على ما قرَّره، وإلّا فيمكن تقرير المناسبة على وجه الإيجاب بأن يقال: الوجوبُ محصِّلٌ لهذه المصالح، وعدم الوجوب تَحصُل معه مفاسد، وهو ضررُ المحاويج والحرصُ على حبّ المال وغير ذلك، ولا تندفع هذه المفاسد إلّا بالوجوب، فيكون في الوجوب تحصيلُ المصالح ودَرْءُ المفاسد.

ويمكن تقريرُه على وجهٍ آخر، وهو أن المصالح الحاصلة بالوجوب لا يجوز حصولُها بدونه، إذ لو (١) جاز ذلك لكان فيه تعريضُ العباد للعقوبة من غير مصلحةٍ وحكمةٍ، والله أرحمُ بعبادِه من الوالدة بولدها. ولأن مصلحة


(١) في الأصل: «إذا». والمثبت يقتضيه السياق.