للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوجبته هذه الظنون. فإنا نعلم بالاضطرار أن إخبار العدلِ على صفةٍ توجب لمن كان خاليًا عن العقائد اعتقادَ رجحانِ صدقه على كذبه وهو ظانٌّ لذلك. فإن العلم بأن الشيء راجحٌ في نفسه شيءٌ، واعتقاد مُوجَب هذا الرجحان ومقتضاه شيء آخر. وإذا كان كذلك فالواجب أن يُجعل المدار علةً للأثر القريب، وهو العلّية والإضافة، ثم يجعل ذلك موجبًا للظن.

الخامس: أنه إنما أثبت بذلك أن المناسبة تُفيد ظنَّ الإضافة، وهذا الظنُّ حاصلٌ بنفس معرفة المناسبة، قبلَ العلم بدوران الظنّ مع المناسبة، فيكون ذكر الدوران ضائعًا، بل ليس الظن الحاصل بهذا الدوران أقوى من المناسبة، وقد يكون بالعكس. والذي دلَّ عليه أكثر الناس أنّ إثباتَ العلّة بالمناسبة أقوى من إثباتها بالدوران، حتى إذا تعارضت علتانِ من هذين النوعين رجحت المناسبة على الدورانية. فإذا كانت المناسبة أقوى كان إثباتها بالدوران يوجب نقصها عن الدوران موجبه في الجملة، وعلى صحة دورانها من غير معارض (١)، وجَعْلُها بحيث تضعفُ عن الدوران غير جائز.

قال المصنف الجدلي (٢): (ولئن قال: الحكم في الأصل لا يُضاف إلى المشترك، فإن الأصل راجح على الفرع، وإلّا لما ثبت الحكم فيه بالنافي أو بالقياس على النقض السالم عن معارضة كونه راجحًا، والحكم ثابت فيه فتحقق (٣) الرجحان، والرجحانُ مانعٌ من (٤) الإضافة أو ملزوم لعدم الإضافة،


(١) كذا في الأصل، والجملة فيها قلق.
(٢) «الفصول» (ق ٤ ب - ٥ أ).
(٣) في «الفصول»: «فيتحقق».
(٤) في «الفصول»: «عن».