للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قياسًا ولا نقضًا؛ لأن حاصله استدلال بِغَلَطِ خصمِك في مسألةٍ على صواب نفسك في مسألة أخرى، ومعلومٌ أن هذا ليس بدليل، ولهذا أجمعَ الناسُ على أنه لا يجوزُ الاستدلالُ (١) به على الأحكام الفقهيَّة للناظر (٢) المجتهد بحيث يُسْنِدُ إليه اعتقادَه قولًا وفعلًا، فتوى وحكمًا. وذلك لأنك إذا قِسْتَ عدم الوجوب على العِلِّية أو نقضت به، فإن المجادل لك يقول: أنا إنما نفيتُ (٣) الوجوب عن حُليِّها؛ لاعتقادي أن الزكاة إنما تجبُ في مال المكلَّفين، فإن كنت موافقي على صحة هذا الاعتقاد لزمك عدم الإيجاب في ماشيتها، وأنتَ لا تقولُ به، وإن كنتَ معتقدًا لخطئي في هذا الاعتقاد، فليس لك أن تبني (٤) على أصلٍ تعتقد خطأ مؤصِّله، أو تنقض به قياسًا قامَ دليلُ صحته.

وذهبت طوائفُ من الجدليين المتقدِّمين من نحو المائة الرابعة والمتأخرين إلى استعماله في المجادلات والمناظرات؛ لأن المستدلَّ يقول: قد توافقتُ أنا وخصمي على أن حُلِيّ الصبيَّة لا زكاة فيه، وإن [ق ١٨٦] كان مَدْرَكي غير مَدْركه، فمتى انتقضَ قياسُه بهذه الصورة كان قياسًا فاسدًا، ومتى قِسْتُ عليه كان قياسي صحيحًا، ومَنْعُ الحكم فيه على تقدير صحة عِلَّتي غير مقبول، لأن إمامه أو لأنه يُثبتُ الحكمَ فيه مطلقًا، فإذا بان فسادُ مأخَذِه تعيَّن صحةُ مأخذي، ولأني وإياه اتفقنا على الحكم فيه، وهو يدَّعي القولَ به


(١) الأصل: «والاستدلال»، ولعل صوابه ما أثبتُّ بحذف الواو.
(٢) الأصل: «الناظر».
(٣) الأصل: «بقيت»!
(٤) غير بينة بالأصل، ولعلها ما أثبته.