للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلل الحادثة معلولًا بها، وإنما هو كما يقال: الذاتُ مقتضيةٌ للصفات من العلم والقدرة، والصفات مقتضيةٌ للأحكام أو الأحوال من كونه عالمًا وقادرًا، أو العلم والقدرة مشروطة بالحياة، والشرط قبل المشروط، فإن ذلك كلَّه على نحو آخر يتعالى (١) على عقول البشر، والله أكبر كبيرًا. لكن لا بدَّ من تقريبٍ إلى العقول يحتاج إلى التوسع في التعبير، لإزاحةِ ما يُتَوهَّم من الشبهات.

والتحقيق على هذا أن يقال: حرَّم الخمر لعلمه بأنها مُسكِرة، وأمرَ بالمعروف لأنه مصلحة. فإن قيل: حرّم الخمر لأنها مسكرة فذاك لأنه قد عُلِمَ أن الله عليمٌ بكل شيء، وقد عُلِمَ إذا قيل: فلانٌ أمرَ بكذا لأنه مصلحة له أو للناس، أنَّما (٢) فعلَه لعلمه بصلاحه، وإلّا فلو لم يشعر بصلاحه امتنع أن يأمر به كذلك.

وسبب ذلك أن العلم في الحقيقة تابعٌ للمعلوم، لا يُكسِبُه صفةً ولا يكتسب عنه صفة، وإنما نشأت الحكمة من نفس المعلوم، فلما كان كونُه مصلحةً والعلمُ بأنه مصلحةٌ أمرانِ متلازمان مطلوبيَّةُ أحدهما باعتبار الآخر= لم يقدح إضافته إلى الآخر. وإذا قيل: حُرِّمت الخمر لأنها مسكرة فهذا تعليلٌ للحكم الحادث، وهو الحرمة القائمة بها بالصفة الحادثة، [ق ٥٨] وهي الشدّة المُطرِبة.

ومعنى قولنا: «إنه يفعل لا لغرضٍ ولا لداعٍ ولا لباعثٍ» أنه لا يَبعثُه على الفعل (٣) باعثٌ من خارجٍ، كما هو صفة المخلوق، فإن كمال المخلوق عن


(١) الأصل: «معانى»، ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) الأصل: «وإنما».
(٣) تكررت في الأصل «أنه لا يبعثه على الفعل».