الخامس: أن يقال: قد ترك العمل بما ذكرته من الدليل في بعض المواضع، وهو ثياب البِذْلة وعبيد الخدمة وإبل الكراء، فتُخصّ منه صورة النزاع بالقياس على تلك الصور، بجامع ما يشتركانِ فيه من الحاجة إلى عين المال، والإخلال ببعض المصالح المباحة [ق ٦٨] بإيجاب الزكاة فيه، ويعود الكلام إلى فقه المسألة. وقياس التخصيص من أقوى الأقيسة عند أصحاب هذا الجدل.
السادس: أن ما ذكرتَه من المناسبة المقتضية للوجوب المطلق يُعارَض بالمناسبة النافية للوجوب، وذلك أن الوجوب منتفٍ عن ثياب البِذْلة وعبيد الخدمة مع قيام المقتضي، وهو ما ذكرته من المناسبة، وما ذاك إلا لمانعٍ فيها، وهو الاحتياج إليها في المنفعة المباحة بشهادة المناسبة والدوران، فإن المانع لو كان للضرورة أو الحاجة الأصلية لوجبتْ فيما زاد على الحاجة من العبيد والثياب والدوابّ.
وهذا المانع يتحقق في صورة النزاع، لأنّ إيجاب الزكاة يَمنع الانتفاعَ المباح، فيتحقق المنع، لأن ما ذكرته من المانع قد ثبتَ مقتضاه عند معارضته ما ذكرته من المقتضي، وثبوتُ دليلِ مدلول أحد الدليلين عند التعارض يُوجب رجحانَه.
ولأن ما ذكرتُه من المانع معتضدٌ بالأصل الثاني للوجوب، والدليلانِ أقوى من دليل.
ولأن ما ذكرتُه من المانع لم يتخلَّف عنه مقتضاه، وما ذكرتَه من المقتضي قد تخلَّف عنه مقتضاه لمانعٍ، والدليل الذي لم يُترَك العمل به راجحٌ على ما تُرِك العمل به.