للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوجب اشتمالَ الحكم على تلك المصلحة، وهذا أمرٌ مهمٌّ لابدّ من الاعتناء به، بل الاعتناء به أوكد من الأول، فإن الشيء إذا عُلِم أن جنسَه مصلحة بالشرع فلا تضرُّ [ق ٦١] شهادةُ أصل معين له بالاعتبار، أما حكمٌ جاءَ به الشرعُ فقلنا: إنه إنما حكم به لكَيْتَ وكيتَ، لاعتقادنا أن ذلك الأمر مصلحة، وأنه لا مصلحةَ فيه إلّا ذلك، فهذا خطرٌ عظيم، وهو الصَّفا الزلَّال (١).

ومن جرأةِ كثير من الجدليين أنهم يقولون: هذا حكمة ومصلحة في نظر العقلاء أو في عُرف الناس، ويكتفون بذلك في تقرير مناسبة الوصف، وهم يعلمون أن أكثر الأحكام الشرعية مما تقصر العقولُ الكاملة عن درك حِكَمِها ومصالحِها، وأن أكثر الناس أو كلّ الناس لا يعلمون ما هو الحكمة والمصلحة والمنفعة لهم في أمر الدنيا والآخرة، فكيف يُستشهد على حكم أحكم الحاكمين لمجرد قول بعض الناس؟ وهذا لعمري تشبيهٌ في الأحكام قريبٌ من تشبيه القدرية في الأفعال.

الثالث: أن يُعلم أن ذلك الحكم إنما شُرِع لأجل تلك الحكمة، وإلا فقد تكون هناك حكمة غيرها (٢) يُشرَعُ الحكم لأجلها.

فإذا تبيّنَ هذه الأركان فالمناسبةُ باعتبار ذلك أقسامٌ:

أقواها (٣): أن يثبت الحكم محصِّلًا لأمرٍ قد دلَّ الشرع على أنه حكمة ومصلحة، وأن تلك الحكمة مطلوبةٌ من ذلك الحكم، كشَرْع العقوبات


(١) كذا في الأصل. والمعنى: الحجر الأملس الذي ينزلق فيه القدم ولا يستقر.
(٢) في الأصل: «غيره».
(٣) في الأصل: «اقعدها». ولعل الصواب ما أثبت.