للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محصِّلةً للزجر عن الفواحش والقبائح، وهذا يوجب المناسبة (١)، وهذا لا يختلف فيه أحدٌ من أهل العلم، ويسمونه «التأثير».

ثم ينقسم إلى ما يُؤثِّر عينُه في عين الحكم، كتأثير الشدِّة المُطربة في التحريم تحصيلًا لمصلحة حفظ العقل، التي تحصُلُ به المحافظةُ على ذكر الله وعلى الصلاة، والانكفاف عن العداوة والبغضاء. وكتأثير نقص العقل بالصِّغَر أو الجنون أو السَّفَه في ثبوت الولاية، تحصيلًا لمصلحة حفظ أموالهم. وكتأثير القتل العمد في إيجاب القصاص تحصيلًا لمصلحة الحَقْن.

والأول دلّ عليه قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} [المائدة: ٩١]، فعُلِم أن هذه مفسدةٌ أبطلها الشرعُ بتحريم الخمر، ومنشأ هذه المفسدة هو الشدَّة المطربة.

والثاني دلّ عليه قوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦]، دلّ على أن تسليم المال مع عدم الرشد مفسدةٌ أبطلها الشرعُ بالمنع من التسليم قبل إيناس الرشد.

والثالث دلَّ عليه قوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩]، دلَّ على أن الحياة مصلحة، إنما جعلها الشرع لنا بإيجاب القصاص، بأن يُسلَّم القاتل، فلا يتعدَّى القتل إلى غيره من الأقارب والجيران، كما كان أهل الجاهلية يفعلون، مما أشعَرَ به لفظ القصاص، وبأن يَعلمَ مَن يُريد القتلَ أنه لا يُقَاد لأولياء المقتول ويُمكَّنون منه، فزجره ذلك عن فعل ما يَهُمُّ به، وربَّما صارَ وازعًا لهم أيضًا.


(١) الأصل: «يجر المناسبة» ولعل الصواب ما أثبتناه.