فإن قال: هذه القضية مانعة الخلو لا مانعة الجمع، أي إنه لا يخلو من عدم الحكم أو عدم ما يستلزم عدمهما.
قلنا: والقضية التي تمنع الخلو من الأمرين لا يصح استعماله حتى يكون العلم بامتناع خلو أحدهما لدليلٍ غير امتناع خلو الآخر، كفى إقامة الدليل على امتناع خلو الملزوم، وهنا إنما يعلم تحقق عدم ما يستلزم عدمهما بتحقق عدم الحكم، فكيف يجعل قسيمًا لامتناع الحكم؟ وهذا حكم ظاهر لمن فهمَه. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ثم إن الجدلي عارضَ الدعوى بالدعوى مع ما ذكرناه من الكلام الضائع (١)، فقال:«فنقول: الوجوبُ في المتنازع مما يستلزمُ أحدَهما قطعًا، فالدليل دلَّ على الوجوب، فيتحقق [هو] أو ملزومٌ من ملزومات أحدهما». وهذا مثل الذي قبله، فإن الدليل إذا دل على الوجوب من نص أو قياس أو نحوه، فإن الوجوب يستلزم الحكمَ في الفرع أو الإضافةَ إلى المشترك، بل يستلزمهما جميعًا، وإذا كان كذلك فقد تحقق الوجوب، وهو مستلزم أحدَهما، فيتحقق ملزومٌ من ملزومات أحدهما، نحو إرادة الوجوب من النصوص، أو ملزومية وجوب الأصل لوجوب الفرع أو مداريته، كما قيل في السؤال، وأيُّهما كان يلزم الوجوب.
وهذا الكلام بعد تحقق دليل الوجوب صحيح، إلا أنه تطويل ركيكٌ كما تقدم سواء، فقد عاد الأمرُ إلى مقابلة الدعوى بالدعوى، حتى إن السائل يقول في آخر ذلك: ما ذكرتُه راجحٌ، لأنه متعددٌ تعددًا كثيرًا لأنه عدمي، والأمر العدمي لا يفتقر إلى غيره، فيتحقّق على تقدير وجود الغير وعدمه،