نافيًا ــ أو وجودُ مدلولِه، لقيام الدليل على أحدهما، فإن الحال لا يخلو عن وجود ذلك الدليل في الواقع أو عدمه".
وهذا كما بيّناه، فإنه لابدَّ من أحد الأمرين في الواقع: وجود الدليل، فيلزم وجود مدلوله، وهو أحد الأمرين. أو عدم الدليل، وهو الأمر الثاني. وعلى التقديرين فلا تركَ للدليل، والله أعلم.
وربّما قرروا هذا على وجه آخر، وهو أن السائل يقول: لا أسلِّم أنكم إذا احترزتم عن ترك العمل بأحدهما على هذا التقدير فقد انتفَى المحذورُ اللازمُ من تركهما، فإنه لا بدَّ من تركِ أحدهما في نفس الأمر ضرورةَ امتناع اجتماع [ق ٢٥] مقتضاهما.
فيقال له: بل هو غير متروك في نفس الأمر، لأن أحد الأمرين لازم، وهما عدمُ ذلك الدليل المتروك على هذا التقدير أو وجود مدلوله، لأن الضرورة وذلك الدليل يوجب لزوم أحدهما، وذلك لأنه إما أن يكون موجودًا أو لا يكون. وهذا معلومٌ بالضرورة، فإن لم يكن موجودًا لم يكن قد ترك الدليل في نفس الأمر بالضرورة، وهو أحد الأمرين؛ وإن كان موجودًا فهو يقتضي ثبوتَ مدلولِه، وهو الأمر الآخر، فثبتَ أن الدليل يقتضي ثبوتَ أحدهما. ولسنا ندَّعي تحققَ أحدهما، وإنما ندَّعي قيامَ الدليل على أحدهما.
فإن قال المعترض: التركُ لازم على ذلك التقدير، ولا يلزم من انتفائِه في نفس الأمر انتفاؤه على ذلك التقدير، فأنا لا أسلِّم انتفاءَه على ذلك التقدير إن لم يثبت عدمُ التقدير، وأنتم تدَّعون انتفاءَه على ذلك التقدير.
قيل له: هذا منعٌ على تقدير لا يَضُرُّنا منعُه، وذلك لأنّ اللازمَ على ذلك التقدير لازمٌ في نفس الأمر إن كان التقدير واقعًا في نفس الأمر بالضرورة،