للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العِلَّيّة، وهو مذهب مشهور.

الخامس: سلَّمنا أن الدوران يُفيد العِلّيّة، لكن إذا (١) لم يُزاحِم المدَّعى مدارٌ آخر، وعلى الإطلاق فلا بدّ من دليل يدل عليه، وإن ادّعاه إلا عند المزاحمة فالتزاحم هنا لموجود (٢).

وإن قال: الشرط كون المدار صالحًا للعِلَّيّة.

قلنا: هذه المدارات كلُّها صالحة للعلّية، فلِمَ عينتَ أحدَها دونَ الأُخر؟

وهذه أسوِلةٌ صحيحةٌ ليس عنها جواب سديدٌ، وهي تَهْتِكُ سِرَّ هذه التلبيسات.

فإن قيل: أما السؤال الأول والثاني فبناؤهما على أن الدوران لا بدّ فيه من وجودِ الدائر في كل صورة من صور وجود المدار، وانتفائِه في كل صورة من صور انتفائه، وهذا لا يصحّ، لأن مقصودَ الدوران الاستدلال على علة الحكم في المحل المعلوم لتعلُّقِه بها في محلٍّ آخر، فإن كان العلم بالعلّية موقوفًا على العلم بجميع صور وجود العلة وعدمها مع العلم بوجود الحكم وانتفائه لكُنّا قد علمنا جميع موارد الحكم وجودًا وعدمًا، وذلك يُغنِينا عن إثبات الحكم بالعلة المعلولة بالدوران.

قلنا أولًا: قد تكون فائدة الدوران إضافة الحكم إلى المشترك في صور الوجود، لا أصل ثبوت الحكم.

وثانيًا: أنه قد يقال: لا بدَّ من الدوران في جميع الصور التي وُجِدت


(١) الأصل: «متى إذا».
(٢) كذا الأصل.