للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن الذي عليه أكثر الناس أن الدورانَ في الجملة يُفيد العليّةَ، ويُسمِّيه الفقهاء العراقيون: الطرد والعكس، ويُسمّيه بعضهم: السلب والوجود، ثم منهم من قال: يُفيد العلةَ قطعًا، ومنهم مَن قال: يُفيدها ظنًّا.

وأما تفسيرُه فهو وجودُ الحكم عند وجودِ وصفٍ وعدمُه عند عدمِه، أو وجودُ أمرٍ عند أمرٍ يمكن أن يكون علةً له وعدمُه عند عدمِه، فهو مركّبٌ من الوجود والعدم، وهو يُفيد علّيّةَ الوصف للحكم ما لم يزاحِمه مدارٌ آخر. ومنهم من قال: يفيد علّيةَ الوصف ما لم يُعلَم خلافُ ذلك، فالدائر هو الحكم، والمدارُ هو الوصف، سُمِّي مدارًا لأن المدارَ في الأصل موضع الدوران، والحكم قائم بمحلّ الوصف، فكأنه قائمٌ بالوصف تقديرًا. فإن العصير إذا اشتدَّ حصلَ فيه التحريمُ، فكانَ الشدَّةُ محلًّا للتحريم، فإذا صارت خَلًّا زالتِ الشدَّةُ فزالَ التحريمُ.

ثم وجودُ الوصف وعدمُه تارةً يكون في محلٍّ واحد، كوجود الشدَّة في الشراب وزوالِها منه، وتارةً في محلَّين، كوجود النصاب الزكَويّ مقترنًا بالزكاة في محلٍّ وعدمِه في محلٍّ آخر. والأول أقوى من الثاني.

قال صاحب الجدل (١): (هو ترتُّب الأثر على الشيء الذي له صلاح (٢) العِلِّيّة مرةً بعد أخرى).

وهذا الكلام فيه نظرٌ من وجوهٍ:

أحدها: أن قوله: «ترتُّب الأثر على الشيء» معناه وقوع الأثر عن الشيء


(١) «الفصول» (ق ٣ ب).
(٢) في «الفصول»: «صلوح».