للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلتَ: لعلَّ المصنف أرادَ مُطلق غلبة الظن؛ لأنَّ من أصله جواز تقليد الأعلم مطلقًا، أو تقليد العالم عالمًا مثله؛ لأنه يحصُل له غلبةُ ظنٍّ بتقليده.

قلتُ: لا يصحّ إرادته ذلك؛ لأن غرضَه ما يحتجُّ به في المناظرة، وهو وإن جوَّز تقليد العالم والأعلم فيجوِّز الاجتهاد ومخالفته، ولا يُحْتَجُّ في المناظرة بتقليد من يجوز ترك تقليده؛ لأن الحجَّة لابدَّ أن تكون ملزمةً للمخالف، ومن أجاز له التقليد من أهل الاجتهاد فإنه مخيَّر بين الاجتهاد وبين التقليد عند القائلين بذلك، فلا يكون التقليد حجةً ملزمة.

فإن قيل: فكيف صار تقليدُ الصحابيِّ حجةً ملزمة؟

[ق ٣٠٤] قيل: التقليد اسم لقبول قول الغير من غير أن يعرف حقيقةَ ذلك القول من غيره، وهو قسمان:

أحدهما: تقليد من قامت الأدلةُ على قبول قوله، كتقليد الأنبياء ــ عليهم السلام ــ فيما يُخبرون به ويأمرون به (١)، وتقليد أهل الإجماع، وتقليد النَّقَلَة، وتقليد الصحابي، ونحو ذلك. فهذا تقليدٌ واجبٌ على العالم والعامِّي، وهو (٢) معنى قول الشافعي: «أُقَلِّد الخبرَ» (٣)، أو كما قال. ومعنى قول أحمد: «ومن زعم أنه لا يرى تقليد الحديث فهو مبتدع، أو ضال» (٤)،


(١) الأصل: «يخبرونه ويأمرون» والصواب ما أثبت.
(٢) الأصل: وهي.
(٣) لعل المصنف أراد ما نقل عن الشافعي أنه قال: «لا يجوز تقليد أحدٍ سوى الرسول»، انظر: «قواطع الأدلة»: (٥/ ٩٨)، و «البحر المحيط»: (٦/ ٢٧١) للزركشي.
(٤) لم أقف عليه. وقد جاء عنه إطلاق التقليد في اتباع الخبر في رواية أبي الحارث، انظر «المسوّدة» (ص ٤٦٢)، و «شرح الكوكب»: (٤/ ٥٣٣).