للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: لا نُسَلِّم لزوم أحد الأمرين، ولم تذكر على ذلك دليلًا، وهذا موضعُ المنعِ الذي يكشف عوار هذا الكلام.

الثاني: قوله: "ما يثبتُ على ذلك التقدير ثابت في نفس الأمر، أو على تقدير يُثبِت جملةَ الأمور الواقعة على ذلك التقدير".

قلنا: هذا هو الأول بعينه، وإنما غُيِّرت العبارةُ؛ لأنه إذا قال: ما يثبتُ على هذا التقدير فقد يثبت في نفس الأمر، أو يثبت [ق ٣٢٣] على تقديرٍ يثبت عليه جملة الأمور الواقعة، فلا مغايرةَ بين القسمين؛ لأن ما ثبت في نفس الأمر فقد ثبتَ على كلِّ تقديرٍ تثبتُ عليه جملةُ الأمور الواقعة.

الثالث: إنما يكون الثابت على هذا التقدير ثابتًا في نفس الأمر، أو ثابتًا على تقدير تَثبُت عليه جملةُ الأمور الواقعة، إذا كان ذلك التقدير تَثْبت عليه جملةُ الأمور الواقعة، وهذا غير معلوم، ولأنه لو عَلِمَ أن ذلك التقدير تَثْبُت عليه جملةُ الأمور الواقعة، لَعَلِمَ أن الواقعَ واقعٌ على ذلك التقدير، ولو عَلِم ذلك لاستَغْنى عن هذا الدليل.

الرابع: لأنه لا يعلم أن الثابتَ على هذا التقدير ثابتٌ في نفس الأمر، أو على تقديرٍ تَثْبت عليه جملةُ الأمور الواقعة حتى يَثْبُت أنه واقعٌ في نفسِ الأمر، وأنَّ ذلك التقدير تَثْبُت عليه جملةُ الأمورِ الواقعة، ولا يمكن ثبوت واحدٍ منهما إلا بثبوت أن الواقع في نفس الأمر واقعٌ على ذلك التقدير، وهذا هو المطلوب المتنازَع فيه، فلا يجوز أن يُجْعَل مقدمةً في إثبات نفسه؛ لأنَّ هذا مصادرةٌ على المطلوب، وهو غير جائز.

الخامس: أنَّ العلمَ بلزوم أحدِ الأمرين موقوفٌ على العلم بأنَّ الواقعَ واقعٌ على ذلك التقدير، فإذا استدلّ على ذلك بلزوم أحدِ الأمرين؛ كان وقفًا لكلٍّ منهما على الآخر، وذلك دَوْر عِلْمي، وهذا ظاهرٌ لا خفاءَ به.

واعلم ــ أصلحك [الله]ــ أن استصحاب الواقع إذا ادُّعِي على تقدير لم يتحقق (١) فإنَّه بابٌ عظيم من أبواب مغالطات هؤلاء المُمَوِّهين المُلبِّسِين،


(١) بعده حرف "ما" ولا يستقيم بها السياق.