للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنا أضربُ لك مثلًا من كلامهم: ذكر المُبَرِّز (١) في جملة الأدلة التي يُستدل بها دليلًا سمَّاه: البرهان؛ لأن مُقَدِّمتيه ــ على زعمه ــ قطعيَّتان (٢)، وهو مما يمكن الاستدلالُ به على كلِّ دعوى تُمْكِنه (٣)، تارة تتمّ على زعمه، لعدم التمكُّن من معارضته بمثله، وتارة لا تتم.

مثاله: أن يقال: أحد الأمرين؛ وهما إفساد صوم رمضان بفعلٍ واحد أول مرَّة، أو فساد صوم رمضان بفعل واحد أول مرة حال الصحة والاستقامة= موجب لوجوب الكفارة؛ لأنه لو كان أحدُهما موجبًا مستقيمًا إلى جملة الأمور الواقعة لكان أحدُهما موجبًا لوجوب الكفارة على ذلك التقدير، وإذا كان موجبًا له على ذلك التقدير كان أحدهما موجبًا له في نفس الأمر؛ لأنَّ جملةَ الأمور الثابتة في نفس الأمر ثابتة على ذلك التقدير، وعدم موجبيَّة كلٍّ من هذين ليس ثابتًا على ذلك التقدير، فلا يكون ثابتًا في نفس الأمر، فيكون الثابت نقيضُه، وهو موجبيَّةُ أحدهما، وهو المدَّعَى. وهكذا يقول في [كل] دعوى يدعيها، فهل سمعتَ بأفسدَ من حُجَّةٍ تَثْبُت بها المتضادَّات والمتناقضات؟! وإنما وجه التغليط فيه استصحاب الواقع حيث لا يصح، وهو قوله: "وإذا كان موجبًا له على ذلك التقدير، كان موجبًا له في نفس الأمر".

قلنا: لا نُسَلِّم قولَه: "لأن جملة الأمور الثابتة في نفس الأمر ثابتة على ذلك التقدير".


(١) هكذا قرأت هاتين الكلمتين و (المبَرِّز) هو ركن الدين العميدي صاحب الجست (ت ٦١٥)، ذكره في كتابه "الإرشاد في علم الجدل".
(٢) في الأصل: "قطيعتين".
(٣) تحتمل: "مكنته"، أو "ممكنة".