مثال ذلك قول المصنّف:«ولئن منع العموميّة»، فإن العموميّة إن كانت هي العموم فلا كلام، وإن قيل: هي حالٌ للَّفظِ أوجبَها العموم، فلفظ العموم يدلُّ عليها نفيًا وإثباتًا، وأما لفظها فلا يلزم من مَنْعِه مَنْعَ هذه الحالِ منعُ العمومِ، لجواز أن يعتقد أن هذه الحال لا حقيقةَ لها.
وأيضًا فقد يعتقد أن العمومية صفة ثابتة للعامّ، بخلاف العموم فإنه عارض، لأن مسمّى المصدر حدثٌ، فإذا منع الصفة الثابتة لم يلزم أن يمنع الصفة العارضة، فكان قولنا «منع العموم» أجود.
وعلى ما قلنا فالعموم يدلُّ على هذه الصفة، سواء كانت ثابتةً أو عارضةً في النفي والإثبات. هذه لغة العرب، وقول النحويين:«المصدر يدلُّ على الحدث أو الحدثان» توسُّعٌ في العبارة، لأن الغالب على مسمَّيات المصادر في أفعال الخلق أن تكون حادثة، وإلّا فقولنا:«علم الله، ويعلم، وهو عالم، وله علم» ليس في ذلك ما يدلُّ على حدوث صفةٍ أصلًا، وليس هذا موضع الاستقصاء في ذلك. وبالجملة فتسميتُها حدثًا وحدثانًا اصطلاحٌ نحوي لا وضعٌ لغوي.
الرابع: أن استعمال هذه الألفاظ التزامٌ لثبوت الحال، وفي ذلك ما فيه، أما استعمال لفظ المصدر فهو خلوصٌ عن هذا الالتزام، ولا حاجةَ بالمستعمل إلى التزامِ أمرٍ [ق ١٤٤] باطلٍ ومختلفٍ فيه من غير حاجةٍ ولا فائدة. بل لو قيل: عدمُ هذه الألفاظ دليلٌ على عدم معانيها التي يعتقدها مُثبِتُو الأحوال، إذ لو كانت ثابتةً لوجبَ أن لا تَعرَى أذهانُ جميع أهل اللغات عن إدراكها، وتنفرد به شرذمةٌ من المتكلمين. ولو أدركتْ أذهانُهم ذلك لوجبَ