واعلم أنَّ الاتفاق قد يُعْنَى به اتفاق الأُمة، وقد يُعنى اتفاق مذهب المُتناظِرَين، أمَّا الأول فإن أمْكَن فهو أجْوَد، إلا أنه لا تكاد تتأتَّى الإحاطةُ به في مسألتين مُختلِفَتي المأخذ، وأما الثاني فهو الغالب على كلام الجدليين.
ثم العدم في المدَّعى والوجوبُ فيما ضُمَّ إليه إما أن يكون متفَقًا عليه في مذهب المستدلّ، أو على الأول دون الثاني، أو الثاني دون الأول، أو مختلفًا فيهما، وعلى التقديرات الأربع فإما أن يكون الوجوبُ في محلِّ النزاع، والعدمُ في الصورة التي ضُمَّ إليها متفقًا عليه في مذهب المعترض أو مختلفًا في الأول فقط، أو في الثاني [ق ٢٤٤] فقط، أو فيهما، فهذه ستة عشر تقديرًا، لكنها تتداخل إلى سبعة:
الأول: أن يكون المذهبان متفِقَين على التناقض في الحكمين، مثل أن يقول المالكي والشافعي أو الحنبلي: وجوب صدقة الكافر، أو وجوب الغَنَم فيما زاد على عشرين ومائة، مع عدمه في المغشوش الغالب عليه الغش، أو مع عدم وجوب صدقة الفطر في عبيد التجارة، أو عدم وجوب بنتَي لبونٍ وحِقَّة في ثلاثين ومائة من الإبل لا يجتمعان؛ لأن المشترك إن كان مقتضيًا للوجوب ثبتَ الوجوبُ فيهما، وإن لم يكن مقتضيًا انتفى الوجوب بالنافي السالم.
أو يقول: تجبُ في مال الصبي والمجنون بالنص والأَقْيسة الموجبة، ولا تجب في صورة العدم بالأدلة النافية، فثبَتَ أنَّ الوجوبَ والعدم لا يجتمعان، وعلى التقديرَين يلزم عدم اجتماعهما، ويلزم من ذلك عدم الوجوب هنا؛ لأن الوجوبَ في فِطْرة العبد الكافر، وفي الغنم في ما زاد على العشرين ومائة من الإبل، إما أن يكون ثابتًا، أو لا يكون، فإن لم يكن ثابتًا؛