فإذا قال: العدم هنا والعدم هناك لا يجتمعان، فلابدَّ أن يقول: إما أن يجب عينًا، أو يجب هنا (١) ولا يجب هناك، لم يجب أن يستدلَّ بعين ما استدلَّ به المستدلّ؛ إذ لا إجماع هنا على العدم هناك. ويمكن أيضًا أن يُسْتَدل على التنافي بما تقدَّم من الترديد، وهو أن يقول: الوجوب على المَدين مع عدمه في المركَّب لا يجتمعان؛ لأنَّ المشترك بينهما لا يخلو؛ إما أن يكون موجبًا أو لا يكون، فإن كان موجبًا لزم الوجوب، وإن لم يكن موجبًا لزم عدمُه بالنافي السالم، وعلى التقدِيرَين فقد لزم التنافي، ويلزم من تنافيهما وعدم اجتماعهما عدم الوجوب على المَدِين؛ لأن الوجوب في المركَّب إما أن يكون ثابتًا أو لا يكون، فإن لم يكن ثابتًا، فإنه لا يجبُ هنا؛ لما تقدم من أن الوجوب هنا والعدم هناك لا يجتمعان، وإن كان ثابتًا فإنه لا يجب أيضًا هنا؛ لأن الوجوبَ لا يشمل الصورتين بالاتفاق.
أمَّا عند العراقي ومن يوافقه في فصل المَدِين فلانتفاءِ الوجوبِ في فصل المَدِين، وأما عند المخالف له ــ إن كان شافعيًّا ــ فلانتفاء الوجوب في فصل المركَّب، وهذا معنى قوله:«والترديد لازم بعد اللزوم فيهما» أي بعد أن يلزم الوجوب في إحداهما والعدم في الأُخرى، أو بعد أن يلزم عدمُ الاجتماع في ما كان من صور الخلاف، أو كان فيه روايتان عن مجتهد يلزم الترديد بأن يقول: الوجوبُ هناك إما أن يكون ثابتًا أو لا يكون، فإن لم يكن ثابتًا لم يجب هنا، لتنافي الوجوب هنا والعدم هناك، وإن كان ثابتًا فإنه لا يجبُ هنا؛ لأن الوجوب لا يجتمع في الصورتين بالاتفاق.