إمّا أن يعني به النصّ، فالنصوص كقوله:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[التوبة: ١٠٣]، وقوله:{أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}[البقرة: ٢٦٧]، {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}[التوبة: ٣٤]، والأحاديث النبوية في الزكاة لا يتناولُ شيءٌ منها الفقيرَ بالإجماع.
وإن عَنَى به الإجماعَ فلا إجماعَ.
وإن عَنَى به المناسبةَ فلا مناسبة في إيجاب الزكاة على فقير، إذ الزكاة وجبت شكرًا لنعمةِ المال ومواساةً للمحاويج، فمن لا شيء لديه كيف يجب عليه شيء.
وإن عَنَى من مَلَكَ نصابًا غيرَ زكويّ، فلا نُسلِّم أن المقتضيَ موجودٌ في حقّه، إذ المقتضي هو ملكُ المال الزكويّ الذي بيَّنه الشارع جنسًا وقدرًا بشهادة النص والإجماع والقياس، ولو كان ذلك مقتضيًا لعَمِلَ عمله، فإنه لا مانع من الوجوب، وإنما انتفاء الوجوب لانتفاء مقتضيه لا لوجود مانعه.
وقد ظهر بهذا التقدير سِرُّ تلك المناقشة في لفظ "المانع"، فإنه مشترك بين ما يدلُّ على عدم الحكم وبين ما يمنع ثبوت الحكم الذي انعقد سببه، وأخذُه بالاشتراك ــ حتى راج له هنا اعتقال الخصم ــ لَبَّس عليه أن المقتضي لوجود الزكاة قائم في حق الفقير، وإنما امتنع لوجود المانع، فإذا قدر عدمُ المانع عَمِلَ المقتضي لوجود المانع، فإذا قدر عدمُ المانع عَمِلَ المقتضي عملَه. وهذا ممنوع كله، فلو قيل: ليس المانع لوجود الزكاة موجودًا على هذا التقدير، وهذا التقدير واقع، لم يكن بيده ما يوجب الزكاة.