للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا جيد (١) لو كان السائل قصدَ المدارية مع خصوص كلّ صورة، وأما إذا قصدَ المدارية مع ما يختصُّ بصور الوجوب الذي يثبت بالنص أو بالإجماع فإنه سؤالٌ جيد.

وحاصلُه أن المستدلّ كلّما ادّعى مدارًا يثبت به الحكم في صورة النزاع عارضَه السائل بمدارٍ ينتفي به الحكم في صورة النزاع، فأيُّهما كان عددُ مَداراتِه أكثر قَضَوا له بالفَلْج (٢)، لأن تلك [ق ٥٠] المدارات من الجانبين اجتمعت في الأصل، فجاز أن يكون كلٌّ منهما هو المدار المعتبر، فإذا ترجح أحد الجانبين بزيادة مدارٍ سلم له عن المعارضة، وجاز أن يكون هذا المدار من غير معارض، فوجب تعليقُ الحكم به.

وهذا أيضًا من قواعدهم الفاسدة التي يبنون عليها كثيرًا من كلامهم، فيُرجّحون أحدَ الخصمين بكثرة دعاويه، كما يرجحونه بإبهام دعواه. ولا يخفى على عاقلٍ أنّ هذا باطل، فإن نفس تلك الأمور التي هي مداراتٌ ليست أدلةً بانفرادها حتى يترجَّح أحد الجانبين بكثرة العدد، وإنما الدليل دورانُ الحكم معه وجودًا وعدمًا كما تقدم، فإذا دار معه أكثر من واحدٍ لم يكن اعتقادُ أن العلة أحدهما أولى من العكس. وإذا كان في الأصل عدة صفات يثبت الحكم في الفرع بتقدير علّية أكثرها، ولا يثبت علّيته بتقدير علِّية بعضها، وليس مع البعض الأكثر ما يقتضي أنه هو العلة= لم يجز اعتقاد أنه علة بمجرد ذلك، لجواز أن يكون العلة هو ذلك الواحد، لاسيما إن لم يكن المدار إلّا واحدًا.


(١) في الأصل: «خير».
(٢) الأصل: «بالشلح».