للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدليلُ على وجوب اتِّباعه وجوه:

أحدها (١): ما احتجَّ به مالك، وهو قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ١٠٠].

فوجه الليل: أنَّ الله أثنى على من اتبعهم، فإذا قالوا قولًا فاتَّبعهم عليه مُتَّبِعٌ قَبْل أن يعرف صحَّته فهو متَّبعٌ لهم، فيجب أن يكون محمودًا على ذلك وأن يستحق الرضوان، ولو كان اتباعهم تقليدًا محضًا كتقليد بعض المفتين، لم يستحق من اتَّبَعهم الرضوان إلا أن يكون عامِّيًّا، فأما العلماء المجتهدون فلا يجوز لهم اتباعهم.

فإن قيل: اتِّباعهم هو أن يقول ما قالوا بالدليل، وهو سلوكُ سبيل الاجتهاد؛ لأنهم إنما قالوا بالاجتهاد. والدليل عليه قولُه: {بِإِحْسَانٍ}، ومن قلَّدهم لم يتَّبِعْهم بإحسان؛ لأنَّه لو كان مطلق الاتباع محمودًا، لم [ق ٢٩٣] يُفرق بين الاتباع بإحسان أو بإساءة.

وأيضًا: فيجوز أن يُرَاد به اتباعهم في أصل الدين، وقوله: {بِإِحْسَانٍ} أي: بالتزام الفرائض واجتناب المحارم، ويكون المقصود أن السابقين قد وَجَب لهم الرضوان وإن أساءوا؛ لقوله: «وما يُدريْكَ أنَّ الله قد اطَّلَع على أهل بدرٍ فقال: اعمَلوا ما شِئتُم فقد غَفَرتُ لكم» (٢).


(١) قارن بـ «إعلام الموقعين»: (٥/ ٥٥٦). وسيأتي الوجه الثاني (ص ٥٤١).
(٢) أخرجه البخاري رقم (٣٠٠٧)، ومسلم رقم (٢٤٩٤) من حديث علي - رضي الله عنه -.