للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على (١) العلية، وهو قول جماعة من الشافعية والحنفية والحنبلية، لكن لابدّ أن ينضم إليه صلاح الوصف للتعليل في الجملة، لاسيما إذا تكرر الحكم معه، احترازًا عن الطرد الركيك، كقولهم: «طويل مشقوق، فلا ينتقض الوضوء بمسّه كالبُوق»، وقولهم: «مائع لا تبنى القناطر [فوقها، فلا] (٢) تحصل [الطهارة به]».

والعجب أن أكثر قدماء الخراسانيين خصوصًا أهل ما وراءَ النهر كانوا لا يَرضون بالطرد والعكس دليلًا على العلة، وعابوا من يسلك ذلك، مثل أبي زيد الدَّبُوسي ودونه، فأصبحوا يكتفون بمجرّد الطرد.

وحجة هؤلاء أنا قد رأينا الاقتران على الوجه الذي ذكرناه يُفيد ظنّ العلّية، والظن الراجح إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه يجب اتباعُه احترازًا من اتباعِ المرجوح أو الجمع بين الضدَّين أو تعطيلِ الحادثة عن الحكم.

والذي عليه عامة الفقهاء وأهل الأصول والجدل أن الدوران هو القسم الأول فقط، وهو دوران الحكم مع الوصف وجودًا وعدمًا، وما لم يكن كذلك لا يسمونه دورانًا، وما في الفَعَلَان من المبالغة يُساعِدهم على ذلك. وأما اقترانه وجودًا فقط أو عدمًا فقط فلا يَدُلُّ بمجرَّده على العلّية إلّا بدليل [ق ٤٣] منفصل، وهؤلاء لا يكتفون بمجرد الاطراد دليلًا على العلية حتى يكون معه دليلٌ على ذلك من مناسبةٍ أو انعكاسٍ يُقوِّي الطردَ أو تأثيرٍ أو شهادةِ الأصول أو غير


(١) الأصل: «عن».
(٢) في الأصل: «لا موتها». وهاتان العبارتان ذكرهما الرازي في «المحصول»: (٥/ ٣٠٩)، ولفظ الثانية عنده: «مائع لا تُبنى القنطرة على جِنسه فلا تجوز إزالة النجاسة به كالدهن».