للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من المتكلِّمين، زعموا أنه يجوز إحداثُ قولٍ ثالث؛ لأنه لا إجماع مع الاختلاف. ولا يخفى على من له أدنى بصر أنَّ هذا قولٌ فاسد؛ لأنهم إذا أجمعوا على الأضحية، فقال بعضُهم: هي واجبة، وقال بعضهم: هي مستحبة، أو الوِتر= فمن قال بعد ذلك: الأُضحية أو الوتر مكروهٌ، أو مباح مستوي الطرفين؛ لزم من قوله أن تكون الأمة مُجْمِعين على الخطأ؛ لأن هذا القولَ الثالثَ إن كان صوابًا وقد أفتى كلٌّ بخلافه، فقد أفتى كلٌّ منهم بضدِّ الصواب، وضدُّ الصواب خطأ، فكلٌّ من الأمة قد أخطأ في عين (١) هذه الواقعة، ولا معنى لكونهم مُجْمِعين على الخطأ إلا هذا، فعُلِمَ أنه خطأ، وأن كلًّا منهم يعتقد أنه خطأ، فقد أجمعوا على أنه خطأ، وهذا ظاهرٌ لا خفاءَ به.

وكذلك إذا اختلفوا في الغِناء المُجَرَّد فقال قائل: إنه محرم، وقائل: إنه مكروه. وقائل: إنه مباح، فمن زعم أنه مُسْتحبّ أو واجب فقد خرق الإجماع، وخرج عن قول الأمة.

لكن احتجاجه بهذا في هذه المسألة ليس بمستقيم؛ لأن الاختلاف على قولين اتفاق على بطلان قولٍ ثالث، وموافقةُ هؤلاء في بعض الصور، وهؤلاءِ في بعض الصور ليس قولًا ثالثًا، بل هو قولٌ مركَّبٌ من القولين، فإنَّ من كان معه كِيسان في أحدهما عَيْنٌ، وفي الآخر وَرِقٌ، فأخذ بعضَ هذا وبعضَ هذا فجعله في كيسٍ ثالثٍ، لم يكن ما في ذلك الكيس خارجًا عما في الكيسين، ولا مخالفًا لهما. بخلاف ما لو وضع فيه فلوسًا.

قوله (٢): (ولئن قال: المجموع متحقِّق بالإجماع ضرورةَ تحقُّقِ الجوازُ


(١) الأصل: "غير" ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) "الفصول": (ق/١١ أ).