للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان فيه فساد فإما أن لا يكون فيه صلاح، وهو المطلوب، أو يكون فيه صلاح أيضًا، فإن تساوَى هو والفساد من كلِّ وجهٍ لم يَجُز النهيُ عنه على ما ذكرنا، وعلى ما ذكره بعضُ الناس يجبُ النهي عنه. وإن ترجَّح أحدُهما فالراجح منهما مشتمل على ما لا يقَابِلُه شيء، سواءٌ كان الراجحُ جانبَ المصلحة، أو جانب المفسدة. ومتى كان الراجحُ جانبَ المصلحة لم يَجُز النهي عنه فتعيَّن القسم الآخر، ويتبيَّن بذلك أن الفعل المنهي عنه لا بُدَّ أن يشتمل إما على مفسدة خالصة أو راجحة؛ لأنه بدون ذلك يكون النهي عن المباح، وهو غير جائز، أو النهي عما استوى طرفاه (١) أو راجح (٢) جانب خيره، وكلاهما لا يجوز النهيُ عنه.

واعلم أنَّ هذا الكلام فيه بحوثٌ كثيرة، ليس هذا موضعَ تحقيقها.

منها: أنَّ الفعل الواحد بالشخص، وهو الحركة المعينة من الشخص المعيَّن في الوقت المعين، هل يمكن استواء طَرَفيها (٣) من كلِّ وجه في نظر الشرع؟ أو يقال: لابدَّ أن يترجَّح أحَدُ جانبيها على الآخر رُجْحانًا لا يبلغ حدَّ الاقتضاء والطلب فعلًا أو تَرْكًا؟ فيه تفصيل ليس هذا موضعه.

ومنها: أنَّ هذا الكلام مبنيٌّ على أنه يجبُ اشتمال الأوامر على المصالح والمفاسد، وقد تقدَّم في هذا [ق ٢٧٥] كلام وجيز في المناسبة (٤).

والذي يجبُ أن يُعْتَقد: أن الواقع في الشرائع أن الأمر والنهي لا بُدَّ أن


(١) هكذا استظهرت قراءة هؤلاء الكلمات الثلاث.
(٢) كذا ولعل الصواب: «رَجَح».
(٣) الأصل: «طرفاها».
(٤) (ص ١٠٤ - ١١١).